عبد الرحمن إبراهيم
المسرح لحن الحياة، يتطلب نموه وتطوره توافر بيئة ديمقراطية، ووضع استراتيجية طويلة المدى، والعمل الدؤوب على تطبيق تلك الاستراتيجية، بغية الوصول للغاية المرجوة التي لطالما حَلِم بها عشاق المسرح الكردي، وتغنى بها القيّمون عليه.
كان ظهور المسرح الكردي فعلياً في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن المنصرم من خلال فرق فنية فلكلورية أنشأتها -في غالبيتها العظمى- الأحزاب السياسية، ورغم الظروف الأمنية والاقتصادية القاهرة واظبت هذه الفرق على تقديم مقاطع مسرحية ارتبطت ارتباطاً شبه كلياً بالأعياد والمناسبات القومية والحزبية من حيث المضمون والزمان، لارتهان قرارها الإداري والفني غالباً بيد ذاكَ الحزب الذي أنشاها. وبالتالي غابت الاستراتيجية المنشودة لأسباب موضوعية متمثلة بالتعامل الأمني القمعي مع أي نشاط كردي ناهيك عن المسرح، وهذا لا يعني أن نتغاضى عن الأسباب الذاتية، المتمثلة بالوصاية الحزبية على المسرح، وعدم قدرة وحرص اشتغال المسرحيين الكرد على تطوير الذات فنياً والتحرر من هذه الوصاية، بالإضافة لتوجُّه مجموعة من المسرحيين الكرد آنذاك للمسرح الغير الكردي، والحصول على بعض الامتيازات دون الالتفاتة (للمسرح الكردي).
مع بداية التسعينات في القرن المنصرم بدأت بارقة أمل تلوح في الأفق مع استقطاب المسرح الكردي لمجموعة من الأساتذة ذوي الخبرة، وأيضاً ظهور فرق مسرحية خاصة ومستقلة عن التحزب، كان الكاتب والمخرج المسرحي عادل اسماعيل السبّاق بهذا الخصوص، بالإضافة لبعض التجارب الأخرى والتي لم تكتب لجميعها النجاح بالاستمرارية. كل هذه الجهود وغيرها تكللت بمهرجان المسرح الكردي في سوريا عامي 1994-1995، وبعدها جرت عدة محاولات لوضع لبنات لبناء وتأصيل (المسرح الكردي)، وعلى سبيل المثال عقد عدة اجتماعات للمسرحين الكرد في منزل الكاتب المسرحي أحمد إسماعيل إسماعيل وبرعايته، حيث كان التركيز على وضع خطة عمل تشمل جميع الفرق التي حضرت الاجتماعات، إلا إنه التدخل الحزبي مرة أخرى حال دون إنجاح المشروع. وظلت العروض المسرحية مستمرة حتى عام 2004 وبدأت بعدها بالانخفاض تدريجياً.
كان للحركة السياسية الكردية دور فعال في إنشاء تلك الفرق وزرع بذرة المسرح – بجهود المسرحيين الأوائل- إلا أن عدم الاعتناء بهذه البذرة، وعدم قدرتها على الانتقال من دور الوصاية لدور الرعاية حال دون اللحاق بِركب المسرح المتطور، وبالمحصلة كان دور الحركة السياسية سلبياً بهذا المضمار.
بعد عام 2011 تغيرت المعادلة. حيث وبسبب الأحداث في سوريا عموماً ومن ضمنها روجآفا اضطرت السلطات للانسحاب من معظم روجآفا وشمال سوريا، وبالتالي تحولت السيطرة على المراكز الثقافية إلى “حركة الثقافة والفن”. حاولت الحركة في بدايتها على لم شمل المسرحيين وجمعهم باجتماعات خاصة بهم والاستماع لآرائهم، ودعوتهم لكونفراساتها العامة مع إعطائهم الحق في المناقشات وتقديم المقترحات والتصويت…الخ. مما أنتجت حركة مسرحية لا بأس بها. وكنتيجة لهذه الحركة تم الإعلان عن الدورة الأولى من مهرجان “الشهيد يكتا” المسرحي عام 2015، وبمشاركة خمسة فرق مسرحية خاصة، بالإضافة للفرق التابعة لحركة الثقافة والفن، ولكن سرعان ما تبخرت هذه الفرق الخاصة، بسبب عدم توفر أي دعم أو تشجيع لها، وسطوة دور الوصاية على الرعاية، والاعتماد على الولاءات على حساب الكفاءات، فغابت الاستراتيجية المأمولة. ونفس النتيجة كانت من نصيب “أكاديمية الشهيد يكتا”.
ومع تشكل “الإدارة الذاتية الديمقراطية”، وإصدار قانون تنظيم العمل الثقافي والفني من قِبل المجلس التشريعي في إقليم الجزيرة، استبشر المسرحيون خيراً!. وخاصة فيما يتعلق بتقديم مشاريعهم وطلب الدعم من الجهات الرسمية، لكن سرعان ما تبخرت آمالهم، وخاصة إن الجهات الرسمية لم تكن تملك أي استراتيجية في دعم الفرق المسرحية الخاصة.
ثم بدأ الحديث عن إنشاء “كومين المسرح” والذي يُعتبر بمثابة نقابة للمسرحيين، وبالفعل تمت التحضيرات له، ووضع مسودة للنظام الداخلي وآلية لتنظيم العمل، ولكن وبسبب حدوث بعض الخروقات في عملها، غابت الاستراتيجية المنشودة، وبقيت الوصاية سيدة الموقف.
إن المسرح في روجآفا (شمال شرق سوريا) بحاجة إلى استراتيجية واضحة، بما يكفل دعم كافة الفرق المسرحية الموجودة بما فيها الخاصة، بل وتشجيع ظهور فرق جديدة، فذلك يزيد من الفعاليات والأنشطة الفنية المسرحية، وبالتالي تفعيل المسرح الكردي والارتقاء به.