هل يزيد «قانون قيصر» فرص الحل في سوريا؟

روبرت فورد

 

تتابع الغالبية العظمى من الأميركيين المظاهرات المشتعلة ضد العنصرية داخل المجتمع الأميركي، وتراقب كذلك مستوى التقدم الذي تحرزه البلاد في مواجهة وباء فيروس «كورونا» المستجد. وبالتالي، فإنهم مشغولون عن متابعة تنفيذ إدارة الرئيس دونالد ترمب لـ«قانون قيصر» الذي يفرض عقوبات جديدة ضد سوريا.

فيما مضى، وقفت العقوبات الأميركية عقبة أمام الصفقات المالية التي تجريها كيانات سورية والشركات الأميركية التي عملت معها دون تصريح رسمي. إلا أنه في الأسبوع الماضي، فرضت إدارة ترمب عقوبات مالية للمرة الأولى على شركات أجنبية تعمل مع الحكومة السورية وبعض كبار المسؤولين رفيعي المستوى بها. وعليه، استهدفت واشنطن من خلال هذه العقوبات شركات في كندا والنمسا ولبنان. وأفاد مسؤولون أميركيون أنهم سيضيفون مزيداً من الأسماء إلى قائمة «قيصر» خلال الأسابيع المقبلة.

من ناحيته، وضع بروفسور الجامعة الأميركية ستيف هيدمان الذي عمل على الملف السوري لسنوات تحليلاً لحساب «معهد بروكنغز»، الأسبوع الماضي، أعلن خلاله أن عقوبات «قانون قيصر» ربما تكون «القشة» التي تجبر النظام السوري أخيراً على قبول التغيير.

وكتبت محللة أخرى، إليزابيث تسوركوف، أن مسؤولين أميركيين يعتقدون أن عقوبات «قانون قيصر» ستزيد الضغوط على كاهل الاقتصاد السوري، وتوسع هوة الانقسامات داخل النظام وتدفعه نحو حافة الانهيار. وترى المحللة أن مثل هذه الأفكار تبدو أماني أكثر عن كونها تحليلاً. وأوضحت تسوركوف أن الاقتصاد السوري يعاني أكثر عن أي وقت مضى، وتسبب سعي الأسد لإحراز نصر عسكري في مواجهة انتفاضة 2011 في تدمير الجزء الأكبر من الاقتصاد، لكن الولايات المتحدة كان لها دورها هي الأخرى، ذلك أن الأسلحة التي أمدت بها الجيش السوري الحر أسهمت في إطالة أمد القتال.

وبعد أن كان معدل الصرف داخل سوريا يضع 50 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي الواحد عام 2011. أما اليوم، فقد ارتفع المعدل إلى حوالي 2.800 ليرة سورية لأسباب منها العقوبات الأميركية. وستعوق العقوبات جهود الاستثمار بمجالي البناء والطاقة. ومن شأن حدوث ركود بهذين القطاعين حدوث تفاقم في معدلات البطالة، في الوقت الذي ستضر البنية التحتية غير المناسبة بالمواطن السوري العادي. ومن الغريب أن نسمع مسؤولين في واشنطن ينفون أن تضر العقوبات بالمواطنين السوريين في الوقت الذي يتمثل الهدف منها في زيادة الضغوط بوجه عام على الاقتصاد.

من جهتي، لا أشعر بأمل كبير بخصوص سوريا. وتبعاً لتحليلي الخاص، فإن حكومة الأسد ووكالات الاستخبارات القوية الأربع التابعة لها لن تقبل بتنفيذ إصلاحات أو محاسبتهم عن الجرائم المروعة التي اقترفوها. ومقارنة بالمعارضة السورية، نجد أن صفوف الحكومة ظلت موحدة. وحتى هذه اللحظة، ليس ثمة بديل واضح للأسد، إضافة إلى أن الرئيس حافظ الأسد صمم نظام الحكم الحالي على نحو يجعل مسألة وقوع انقلاب عسكري أمر أقرب إلى المستحيل. وحتى إذا وقع انقلاب عسكري ناجح ضد الرئيس الأسد، فهل ستسقط واشنطن عقوبات «قانون قيصر» إذا ما تولى أحد جنرالات الاستخبارات الحكم؟ الإجابة: لا.

من جهتها، تطالب واشنطن الحكومة السورية بتغيير سلوكها ووقف قتل المواطنين وقمع منتقديها وقبول حكم القانون. والواضح أن الجهاز الأمني السوري سيقاتل لفترة طويلة قبل أن يقبل بخضوعه لأي محاسبة. كما أنه ليس لديه اليوم أي حافز للاستسلام.

تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه في العراق عام 2003. فكك الأميركيون جهاز الاستخبارات الذي كان تابعاً لصدام حسين وفرضوا المحاسبة. أما اليوم، فلن يفعل أحد ذلك داخل سوريا، وبالتأكيد لن تقدم أي من روسيا أو إيران على ذلك. ولا أرى سبيلاً نحو إقناع الجهاز الأمني السوري الحالي بوقف القتال دون حصول أفراده على نوع من العفو تقبل به جميع الأطراف وتحترمه. جدير بالذكر، أن الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة، أقر قرارات عفو قبلت بها الاستخبارات العسكرية الجزائرية والمقاتلين الجزائريين. وبذلك، كتب نهاية الحرب الأهلية الجزائرية طويلة الأمد. في المقابل، لا نرى حتى هذه اللحظة مؤشراً يوحي بأن الجهاز الأمني السوري سيقبل ولو بعفو محدود. لقد قتل هذا الجهاز المئات من أفراد المعارضة ونال عفواً من خلال إقرار اتفاقات تسوية.

ومن غير الواضح كذلك أن المعارضة السورية والمدافعين عنها سيتخلون عن مطالبهم بالمحاسبة والعدالة بعد كل جرائم القتل التي وقعت على يد جهاز الأمن والجيش السوريين. هنا، تصل عقوبات قيصر إلى طريق مسدود.

والاحتمال الأكبر أنه سواء حال استمرار إدارة ترمب أو قدوم إدارة جديدة برئاسة جوزيف بايدن، ستبقي الولايات المتحدة في الحالتين على العقوبات وتعززها. وسيفقد رجال الأعمال السوريون الذين عملوا مع نظام ممتلكات لهم إذا ما تخلوا عن الأسد مثلما فعل رامي مخلوف أو سيقعون تحت طائلة عقوبات «قانون قيصر».

وستصبح سوريا أكثر عزلة عن أي وقت مضى، وستصبح شبيهة بكوريا الشمالية والتي نسمع منها بعض الأحيان تقارير عن سوء التغذية، بل والتضور جوعاً. ومع ذلك، نجد أن كوريا الشمالية، ورغم الضغوط الاقتصادية على عاتقها، ما تزال موحدة. إلا أنه من الممكن تخيل نجاح بعض الأقاليم داخل سوريا الخاضعة للحماية التركية والأميركية في الحصول على استقلال ذاتي محلي إذا افتقرت الحكومة السورية للقدرة الاقتصادية والعسكرية لفرض إعادة دمج هذه الأقاليم داخل كيان الدول السورية الموحدة. وبالفعل، بدأت بعض مدن الشمال السوري في استخدام الليرة التركية، في تطور يوحي بأن سوريا تفقد سيادتها الاقتصادية. ونعاين صوراً لضحايا الاستخبارات السورية التي نقلها المصور «قيصر» لنا، ويخالجنا الأمل في إقرار المحاسبة والعدالة. بيد أنه للأسف الشديد لا أتوقع من جانبي أن تثمر عقوبات «قيصر» حلا قريباً، وإنما بدلاً عن ذلك أعتقد أنها ستجلب مزيداً من المعاناة واليأس إلى المواطنين السوريين.

 

نقلا عن الشرق الأوسط