بات من الواضح للجميع أن تنظيم “الدولة الإسلامية” متمكن من مجهوده الإعلاني والتعبوي. حيث كل إصدار رسمي يتم إنتاجه بشكل محترف وكل صورة أو رسالة لها دلالاتها وأهدافها وتحوي رسائل منها الموجه إلى أعدائه، ومنها إلى عامة الناس التي تعيش تحت سلطانه ومنها ما هو موجه لعواصم القرار الغربية وأيضا للرأي العام الغربي.
خرج تنظيم “الدولة الإسلامية” بإصدار هو الثالث من نوعه حيث يُظهر عملية نحر لمواطن بريطاني ويهدد بإعدام بريطاني آخر. وهذا النمط اعتمده التنظيم مع أول فيديو من هذا النوع، فيديو إعدام الصحافي الأمريكي جيمس فولي. ففي الإصدار المذكور هدد التنظيم بإعدام الصحافي الأمريكي-الإسرائيلي ستيفن سوتلوف. بعد أيام نفذ تهديده وهدد بإعدام العامل الإغاثي البريطاني ديفيد هينز، وما لبث أن فعل بعد أيام مهددا بإعدام مواطن بريطاني آخر.
ما هي الرسائل الصورية؟
أول إصدارين جاءا بمسمى “رسالة إلى أمريكا 1 و2” والثالث بمسمى “رسالة لحلفاء أمريكا”. ومن الواضح أن “الرسائل” موجهة إلى السلطات الأمريكية والغربية كما للرأي العام على حد سواء. فهي تُذكر الأمريكيين في أحلك أيام حرب العراق خصوصا بين عامي 2003 و2008، آتية في سياق ما صدر سابقا أيام “القاعدة في بلاد الرافدين” وأبو مصعب الزرقاوي. ذلك فضلا عن الرسائل الصوتية الواضحة التي يتلوها الرهائن مُكرهين، والتي لا داعي لتكرارها.
الرسائل المصورة مُتعددة تبدأ بالقناع وباللباس الأسود للجزار وبالخلفية الصحراوية، التي تثير مخاوف غرائزية لدى الرأي العام الغربي. إلا أن أكثر هذه الرسائل وضوحا يبقى اللباس البرتقالي الذي أُلبس لضحايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهذا أمر كان سبق واعتمد في فترات سابقة في هذا النوع من الإصدارات التي يبقى هدفها الأبرز الإرهاب والترهيب. فهذا اللون وهذا اللباس هدفه التذكير بلباس معتقلي سجن غوانتانامو الأمريكي والذي بات غنيا عن التعريف، فجهاديو “الدولة الإسلامية” يريدون أن يقولوا لواشنطن “ها نحن نُهين مواطنيك كما أهنتي سجناءنا لديك”.
لكن “الجديد” في الإصدارات الأخيرة يكمن في جنسية من يقوم بعملية الذبح، فاختيار جهادي بريطاني ليس عبثيا البتة. فإن كانت المجتمعات الغربية قد سبق لها وشهدت على إعدامات مماثلة أو على وجود مقاتلين ودعاة من مواطنيها في صفوف الجهاديين، إن كان ذلك في الصومال أو في اليمن على سبيل المثال لا الحصر، فهذه أول مرة يقدم مواطن غربي على إعدام مواطن غربي آخر في هكذا ظروف. وهنا يُبتغى أن يكون وقع الصورة والإرهاب مضاعفا، فالفرق كبير بين أن نسمع جهاديا يتكلم باللغة العربية أو بلغة أجنبية سيئة وبين أن نسمعه يتكلم لغة ولكنة شرقي العاصمة البريطانية لندن، كما في الإصدارات الأخيرة. وكما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ذلك يعطي الشعور أن الحرب وصلت إلى شوارع لندن.
في نفس السياق، أن يكون أحد سجاني الصحافيين الفرنسيين الأربعة الذين حررهم تنظيم “الدولة الإسلامية” مؤخرا من الجنسية الفرنسية، وهو أيضا المسؤول عن الهجوم الإرهابي على المتحف اليهودي في العاصمة البلجيكية بروكسل، له وقعٌ مختلف عن كون سجانيهم من السوريين أو العراقيين.
هل هدف تنظيم “الدولة الإسلامية” إيقاف الحرب أم استدراجها؟
يعجز الكثيرون عن تفسير مآرب وخطوات تنظيم “الدولة الإسلامية” بطريقة منطقية أو عقلانية، فمنهم من يسأل ما هو المنطق من خلال إعدام مواطن بريطاني بهذه الطريقة الشنيعة، عندما نعلم أن لندن كانت حتى أيام قليلة مترددة من حيث نوعية دخولها الحرب على التنظيم. ومنهم من تساءل عن الجدوى “العسكرية” من إعدام مواطنين أمريكيين وجلب رد أمريكي سيكون عنيفا ومعرقلا لتقدم “الدولة الإسلامية” على الأرض، وهذا ما حصل فعلا.
لكن بالنسبة لمُنظري وأمراء تنظيم “الدولة الإسلامية” يبقى “استجلاب الغرب إلى حرب ضروس في بلاد المسلمين هدفا بحد ذاته”. وهذا ليس بجديد أو طارئ على الفكر الجهادي، فقد كان هذا أحد أهداف أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة. وينبع ذلك من عدم وجود قدرة عملية لهذه التنظيمات في مقارعة الغرب في عقر داره، فتسعى أن تنقل الحرب إلى مناطق وجودها. وهكذا كانت الحال في أفغانستان وفي العراق بعده.
فمن منظور تنظيم “الدولة الإسلامية” التحالف الذي ارتسم لمحاربته يؤكد قناعاته، كما القاعدة قبله، أنه في مواجهة العالم أجمع. ذلك بما فيه الأنظمة العربية وعواصم القرار غربا وشرقا. ومن الناحية الدعائية فإن قيام حلف ما بين أعداء وخصوم الأمس المحليين من طهران إلى الرياض والقاهرة وربما دمشق سيكون من الناحية الدعائية خادما للمنطق الذي يعتمده “الدولة الإسلامية” في تعامله مع هذه الأنظمة وعدائه لها كلها دون استثناء. وبالنسبة له لا يأتي تكاتف عواصم القرار الغربية الأخير لمساعدة الأنظمة المحلية إلا تأكيدا إضافيا لذلك.
عن فرانس 24