لم يجد أبو عادل (48 عاماً) سوى الملاءات ليغطي بها مدخل البيت الذي تقاسمه مع أحد أصدقائه في العشوائيات. صار هذا المكان الجديد ملاذه الآمن الوحيد. هذا الرجل الذي نزح من منطقة الساحل الأيمن في محافظة نينوى بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عليها في العاشر من يونيو/حزيران الماضي، يقول لـ “العربي الجديد” إن “ساعات قليلة كانت تفصلنا عن وصول عناصر تنظيم الدولة إلى مدينة الموصل، وتحديداً إلى منطقة الساحل الأيمن. ناديت على أطفالي السبعة على الفور للصعود إلى السيارة، وتوجهنا إلى محافظة كركوك”. يُضيف: “مكثنا فيها ثلاثة أيام، إلا أن داعش نجح في الوصول إلى كركوك، فاضطررنا للذهاب إلى بغداد خوفاً من سيطرة التنظيم على المحافظة برمتها”.
ليس حلماً جميلاً
يتابع أبو عادل أن “ذهابنا إلى بغداد لم يكن بالحلم الجميل بالنسبة لي ولعائلتي. فعدم تمكننا من جلب أغراض البيت، فضلاً عن المال القليل الذي في حوزتنا، منعنا من استئجار منزل في ظل الغلاء المفرط. لجأت إلى صديقي أبو خالد الحياني، فاقترح عليّ أن أقاسمه مسكنه في إحدى مناطق العشوائيات”. يضيف: “ذلك لم يرُق لعائلتي. لكن لم يكن أمامنا خيار آخر. شيّدنا غرفتين في 11 ساعة، وقد جمعنا الخشب والحديد وبعض الملاءات، ومدّنا صديقي بالكهرباء”. هكذا وجد أبو عادل نفسه في مواجهة حياة لم يعتدها. ففي بيته الجديد المقتطع، “لا أجهزة تبريد، فضلاً عن الانقطاع المستمر للكهرباء، هناك عدم وصول المياه إلى المنطقة كونها غير شرعية بحسب الدوائر الحكومية”.
ويشير أبو عادل، وهو موظف في مديرية زراعة نينوى، إلى أنه “منذ ثلاثة أشهر، لم يتقاض راتبه فضلاً عن أن المساعدات التي تقدمها الحكومة لا تكفي”. قرر العمل في أحد الأفران القريبه من بيته، بأجر يومي قدره 15 ألف دينار (12 دولارا)، ليتمكن من إطعام عائلته. يؤكد أن “هناك أكثر من 48 عائلة سكنت بالقرب منه، وقد جاءت من محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى”، لافتا إلى أن “معاناتنا واحدة. بعض العائلات افترشت الأرض وتنتظر المساعدة، وأخرى تبحث عن عمل”.
يقول أبو عادل إن رجوعه إلى الموصل منوط بعودة الأمن إلى المحافظة بعد طرد عناصر “داعش”، مشيراً إلى أن “بقاءه في العشوائيات والعمل في أصعب المهن أهون عليه من أن يكون تحت رحمة عناصر داعش”.
أزمة سكن
في المقابل، يقول وكيل وزير التخطيط مهدي العلاق إنه “الوزارة سجلت زيادة في عدد المساكن المشيدة في عموم البلاد بنسبة خمسة في المائة خلال الأشهر الثلاثة الماضية”. يضيف لـ “العربي الجديد” أن “إحصائية أصدرتها الوزارة في شهر فبراير/شباط من العام الحالي لعدد العشوائيات في بغداد، بيّنت أن هناك 318 مجمعاً عشوائياً. وفي إحصائية أخرى أصدرتها اللجنة نفسها في النصف الأول من يوليو/تموز الماضي، وصل عدد المجمعات العشوائية إلى 325”.
ويشير العلاق إلى أن “الزيادة لم تقتصر فقط على العاصمة بغداد، إذ سجلنا زيادة في عدد العشوائيات خلال الأشهر الثلاثة الماضية في كل من كربلاء بنسبة أربعة في المائة، والنجف بنسبة 2.5 في المائة، وبابل بنسبة اثنين في المائة، وواسط بنسبة ثلاثة في المائة، وكركوك بنسبة 4.5 في المائة. أما بقية المحافظات فلم تشهد زيادة تُذكر”.
ويشرح أن “الزيادة في عدد العشوائيات، سواء في بغداد أو بقية المحافظات، ترجع إلى عدم استيعاب المدارس والجوامع لجميع النازحين، ما اضطرهم إلى تشييد بيوت لهم في تلك المناطق، فضلاً عن أزمة السكن التي تعيشها البلاد منذ سنوات والتي لم تحل حتى الآن”. ويتابع العلاق أن “زيادة العشوائيات في البلاد تشكل حرجا لنا بسبب عدم قدرتنا على تأمين الخدمات لهم من ماء وكهرباء وصرف صحي، فضلاً عن أن تلك المجمعات تشوّه جمالية المدن”.
بدوره، يقول محافظ بغداد، علي التميمي، إن “المحافظة بدأت بتشييد عدد من الكرفانات في أطراف العاصمة بغداد لمساعدة النازحين. إلا أن زيادة أعدادهم جعلتنا نستعين بالمدارس والجوامع. لكن بعض العائلات التي لم تستطع العيش في المدارس والجوامع توجهت إلى السكن في العشوائيات”. وكانت وزارة التخطيط العراقية قد كشفت في وقت سابق من العام الجاري أن مليونين وأربعمئة وخمسين ألف عراقي يعيشون في مساكن عشوائية داخل المدن وأطرافها، ما يشير إلى مدى تفاقم أزمة السكن في العراق.
عن العربي الجديد