“اضطررتُ إلى بيع نفسي حتى أؤمّن القوت لعائلتي، بعدما خذلت وزارة الشؤون الاجتماعية والدي وهو في الخمسين من عمره. أخبرته أنها لا تستطيع أن تُعطيه راتباً إلا حين يبلغ الستين”.
هذه كلمات نهلة، ابنة الـ 19 عاماً، التي تزوجت وهي قاصر لا يتجاوز عمرها الـ 12 عاماً. تقول نهلة لـ”العربي الجديد”: “كنت في الثانية عشرة من عمري حين زارنا رجل غريب، وجلس مع والدي.
كانا يتحدثان بصوت خافت. علمت بعدها أنه سمسار. أخبر والدي أن لديه عريساً خليجياً يريد الزواج بفتاة صغيرة، على أن يقدم لأهلها مبلغاً كبيراً من المال. وافق والدي على الفور، وخصوصاً أنه كان عاطلاً من العمل”.
تُتابع نهلة: “في اليوم التالي، جاءنا الرجل بصحبة آخر يتجاوز الخمسين من العمر. دخلت أمي إلى غرفتي أنا وشقيقتي التي تكبرني بعامين، وطلبت منا ارتداء ملابس نظيفة. وقع الاختيار عليّ. لم أكن أفهم ما يدور حولي.
بعد وقت قصير، وجدت نفسي معه في شقة، وعلمت أنني أصبحت زوجته في مقابل مبلغ من المال لأهلي ودخْل شهري”.
لم تنته القصة هنا. تقول نهلة: “طلب مني أن أسافر معه. ذهبت إلى بلده لأجد نفسي في منزل تعيش فيه زوجته الأولى وسبعة من أولاده، بينهم ثلاثة ذكور أصغرهم يكبرني بثلاث سنوات. تحولت إلى خادمة للجميع. وحين أعترض كنت أتعرض للضرب بالعصا، عدا إهانات زوجته”.
تُضيف: “حين طفح الكيل، توجهت إلى القنصلية المصرية، فأبلغوني أنه لا علاقة لهم بما يحدث لي، فقد تزوجته بإرادتي. لكن بمساعدة الجيران استطعت أن أحصل على الطلاق والعودة إلى بلدي”.
نهلة هي مجرد رقم ضمن قائمة طويلة من زيجات مماثلة. ميرفت أيضاً لديها ما تقوله، فقد أُجبرت بدورها على الزواج وهي قاصر، حتى امتهنت الأمر. ما إن أنهت التعليم الابتدائي حتى تم تزويجها برجل خليجي يبلغ من العمر 60 عاماً. تركها في شقة داخل مصر وكان يأتي إليها لمدة أسبوع كل شهرين.
تقول إنه “أجبرها على تناول حبوب منع الحمل لأنه متزوج ولديه ما يكفيه من الأولاد. ظلت على هذا الحال حتى أرسل لها رسالة أخبرها فيها أنه لن يستطيع العودة إليها ثانية، وقد تخلص من ورقة زواجهما التي لا تملك نسخة عنها”. كل ذلك في مقابل 14 ألف جنيه تقاضاها والدها من ذلك الرجل.
”
عادة ما يتم تزويج الفتيات القاصرات بعقود عرفية، يمتلك الرجل وحده حق التصرف فيها. وحين يحصل الانفصال، تُترك الفتاة من دون عقد يثبت حصول الزواج
”
تضيف: “قصدت السمسار الذي جلب لي العريس، فقال لي إنه سيجلب لي عريساً آخر”. وهذا ما حصل. تزوجت من أربعة خليجيين آخرين، بسبب “الفقر” كما تقول. وتضيف: “أنا مسؤولة عن تربية أشقائي”.
عادة ما يتم تزويج الفتيات القاصرات بعقود عرفية، يمتلك الرجل وحده حق التصرف فيها. وحين يحصل الانفصال، تُترك الفتاة من دون عقد يثبت حصول الزواج. طفلة ومطلّقة وأم في الريف المصري، تكثر حالات زواج القاصرات.
وغالباً ما يتم تزويج الفتيات بعقد عرفي، إلى أن تبلغ العروس السن القانونية للزواج. صابرين، التي لم تتجاوز 12 عاماً، هي إحدى الضحايا. أخرجها أهلها من المدرسة الابتدائية لتزويجها مقابل مهر قدره عشرون ألف جنيه من شاب يملك مصنعاً يعمل فيه والدها.
تم الزواج بعقد عرفي. لكنّه طلّقها بعد ستة أشهر، وعادت إلى بيت أبيها وهي حامل، لتتحول إلى طفلة ومطلقة وأمّ لطفلة أخرى.
لدى سناء التي تبلغ 19 عاماً قصتها أيضاً. تقول: “تزوجت في الـ 14 عاماً من عمري. كنت أتمنى متابعة دراستي. لكن والدي أخبرني أنه في حاجة إلى مساعدتي في تربية أخوتي، وزواجي قد يحل المشكلة. وافقت على الزواج من رجل يكبرني بثلاثين عاماً. عشت معه أتعس أيام حياتي”.
وكانت دراسة أصدرتها الأمم المتحدة في العام 2009 كشفت أن “الزواج المبكر يمثل 14 في المئة من حالات الزواج في مصر”.
وفي دراسة فرنسية أخرى صدرت عن جامعة “السوربون” في العام نفسه، تصدّرت مصر قائمة الدول العربية التي ينتشر فيها زواج القاصرات، وخصوصاً المحافظات الحدودية، بنسبة 23 في المئة.
كذلك، قال المجلس القومي للطفولة والأمومة وصندوق الأمم المتحدة للسكان في دراسة أجراها في الفترة نفسها، إن “محافظة الجيزة هي أكثر الأماكن التي تتغلغل فيها ظاهرة زواج القاصرات بنسبة 74 في المئة، فيما بلغت نسبة الزواج العرفي 29 في المئة”.
وفيما يتعلق بالأسباب، قالت وحدة منع الاتجار بالبشر التابعة لوزارة الدولة للأسرة والسكان قبل إلغائها، في دراسة أجرتها العام 2011، إن “41 في المئة من الأسر تعمد إلى تزويج بناتها خوفاً من العنوسة، و29 في المئة بسبب كثرة الفتيات ضمن الأسرة الواحدة، و15 في المئة بسبب الفقر”.
يقول الباحث الاجتماعي عادل سلطان، إن “مشكلة زواج القاصرات هي موروث اجتماعي في الريف المصري. والأسباب تتلخص في الخوف من العنوسة والفقر”.
أما أستاذة الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية عزة كريم، فتؤكد أن “زواج القاصرات يعد شكلاً من أشكال العبودية الحديثة الذي تعود جذوره إلى الجاهلية، حين كانت المرأة تُباع وتشترى من أجل متعة الرجل”.
وتوضح أن “زواج القاصرات هو انتهاك لحقوق الإنسان، عدا كونه يعد خطراً على المجتمع، بسبب ازدياد نسبة المطلقات والأطفال المشردين”. برأيها، لا يقتصر الحل على “إصدار قوانين، بل يجب العمل على توعية الناس”.
ومن الناحية القانونية، يرى المحامي المتخصّص في قضايا الأحوال الشخصية حمدي السوهاجي أن “المشكلة ليست في القانون الذي يشترط بلوغ الفتاة الـ 18 عاماً قبل إتمام عقد الزواج، عدا أن المادة 291 من القانون تحظر استغلال الأطفال. لكن الأهالي يعمدون إلى التحايل من خلال الاتفاق مع المأذون، وخصوصاً في المناطق الفقيرة، لإتمام عقود زواج عرفية، وأحياناً تسجيل الأطفال على أسماء أجدادهم”.
ويرى أن الحل “يتمثل في عقوبات رادعة، ونشر الوعي”. صحياً، يلفت استشاري أمراض النساء والولادة، عطية سليمان، إلى أن “زواج الفتاة في عمر مبكر قد يعرضها للإصابة بالعقم والإجهاض والتسمّم خلال الحمل وفقر الدم، عدا احتمال تعرّض الأطفال حديثي الولادة للوفاة نتيجة عدم اكتمال نموهم”.