«داعش» يُعَقّد حياة مُسلمي هولندا

 

 

 

 

 

 

 

ما يَحدث في شمال العراق وسورية يصل تأثيره الى هولندا خلال ساعات، والنار التي انطلقت من هناك هي ليست بعيدة بلهيبها عن الأراضي المُنخفضة في اوروبا. هذه هي الخلاصة التي يصل اليها المتابع لأخبار وتغطيات إعلامية هولندية لما يحدث في العراق وسورية، وعواقبه على الحياة العامة في البلد الاوروبي، وبخاصة تفصيلة علاقات هولنديين مسلمين مع بلدهم، وهي العلاقة التي تعاني أصلاً من التعقيد وسوء الفهم والتخوين منذ تفجيرات مبنى التجارة العالمية في نيويورك عام 2001.

وفي هذا السياق، خصص القسم المُسلم في التلفزيون الهولندي الحكومي (له حصة أسبوعية من البث التلفزيوني الرسمي ويومية من الساعات الإذاعية ويقدم برامج لها علاقة بمسلمي هولندا وتتوجه اليهم بالأساس) معظم وقته الأسبوعي لبحث موضوع التوتر الذي أحدثه الصعود المُقلق لـ «داعش» في الحياة الهولندية، وبخاصة بعدما رفعت تظاهرات أعلام الحركة الإرهابية، وهو الأمر الذي أحدث مــوجـــة غـــضب غير مسبوقة في هولندا وذكّر بقــضية الجهاديين الهولنــدييــن في العـــراق وسورية، وكان من آخر نــتائجــها قرارات حكومية بسحب الجنسية للهولنديين (من الذين يحملون جنسيتين) الذين يتأكد اشتراكهم في القتال لمصلحة «داعش».

حاول البرنامج التحقيقي أن يجمع خليطاً متنوعاً من الآراء والشخصيات، فالتقى اختصاصياً بالديانات المسيحية، وآخر بشؤون الشرق الأوسط، وشاباً هولندياً من اصول مغربية، يتصدر منذ سنوات حركة شبابية مُسلمة معتدلة، تحاول أن تغير وتزيل بعض الصور النمطية عن المسلمين، وتنظم في الوقت ذاته تظاهرات ونشاطات عامة للتنديد بما يجري لمسلمين وغيرهم في منطقة الشرق الأوسط. هذا الشاب عاتب منتقدي نشاط جمعيته، اذ ولاؤها، ووفق المنتقدين، هو للمسلمين أينما كانوا وليس لبلد الإقامة الاوروبي، وذكّر بأن دعوات حركته لنشاطات متعاطفة مع مسيحيي او إيزيديي العراق لم تلق تجاوب الهولنديين.

ولعل الاتهام بالولاءات المزدوجة والمضطربة لمسلمي هولندا، هو الأكبر الذي يواجهه كثر منهم منذ الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) وما تبعه من أحداث جسيمة (مثل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان كوخ على يد متطرف من اصول مغربية مُسلمة والقبض على خلية من مهاجرين مسلمين كانت تخطط لتفجيرات في هولندا). كل هذا سيجد من يجيب عنه في البرنامج من دون أن يبرره بالكامل، فمن الصعب أن تطلب من شباب من أصول مُسلمة يعانون البطالة والتمييز العنصري أحياناً، أن يكونوا أوفياء بالكامل لبلد الإقامة، وأن ظهور مشاعر مُتطرفة بين شباب هولندي مُسلم هو في جزء منه إحدى نتائج سياسات حكومية وتقاليد اجتماعية نظرت اليهم بدونيّة أحياناً.

ولا ينجو الإعلام الهولندي الرسمي او التجاري من نقد الذين تحدثوا الى البرنامج التلفزيوني، فالأول بنقله ما يجري في العراق وسورية، بخاصة نشاط «داعش»، ساهم في دعاية كبيرة للتنظيم في اوروبا.

هذا الاتهام غير واقعي ويحمل مبالغة كبيرة، لأن أحداث السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط وجدت في الإعلام البديل («اليوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي) الساحة التي انتشرت فيها بحرية، كما وجدت منظمات إرهابية في وسائل الإعلام الجديدة الطريق الأفضل والأسرع لنشر آرائها ومعتقداتها، وهو الأمر الذي سيتواصل على الأرجح، فمن الاستحالة اليوم التحكم بالإعلام الجديد او الحَدّ من حرياته.

والى جانب التحقيق الخاص بالتوتر الجديد الذي تشهده علاقة مسلمي هولــندا بالــبلد، قــدم القسم التــلفزيـــوني الإسلامي في اليــدوم ذاته، فيلماً تسجيلياً عن اللاجئين السوريين في تركيا بعنوان «تراجيديا سورية».

الفيلم ينقل بتفصيلة مؤثرة مشاق الحياة لكثر من هؤلاء اللاجئين، إذ يظهر عائلات حَرَمت أطفالها من التعليم في تركيا لأنها غير قادرة على تكاليف الدراسة، كما ينقل الفيلم مشاهد مُحزنة كثيراً عن ظروف حياة بعض تلك العائلات، فمنها من يعيش في منازل أشبه بالمُهدمة، بشبابيك مفتوحة امام العناصر الجويّة، فيما يواجه الأهل تحديات يومية لتوفير الغذاء لهم ولأطفالهم.

وكالات