مارون الحكيم في معرض ثلاثي … نحتاً وتلويناً وتجميعاً

 

 

 

 

 

 

يقيم الفنان اللبناني مارون الحكيم معرضاً ثلاثياً بعنوان «معرض في ثلاثة فصول» يقدم فيه نماذج من إبداعه في النحت والتلوين والتجميع. المعرض يضمه «البيت- المحترف» (بلدة مزرعة يشـــوع – شرق بيروت) ويفتتح الثلثاء المقبل ويستمر حتى 27 الجاري. والحكيم هو في طليعة الفنانين اللبنانيين الجدد، نحات ذو رؤية فريدة وأسلوب يجمع بين صلابة المراس وغنائية اللحظة الفنيــة، بين الليونة في الحركة والمتانة في البناء، وعالمه النحتي شـــديد الرحابة، يتوزع بين المنحوتات التجسيدية والتجريدية التي تفيض بالرموز والإشارات. غير أن الحكيم هو رسام أيضا، وعلى علاقة حميـــمة بالخـــطوط والألوان وله أعمال كثيرة في الرســم الزيتي والاكواريل وهو ابتدع ما سماه «اللوحة المنحوتة» التي تجمع بين فن النحت والبعد التشكيلي.

 

«زواج في الغابة»

والمعرض الجديد قدم له الشاعر عقل العويط بكلمة بالعربية بعنوان «زواج في الغابة» والناقد الهولندي ب. أدريانوس فيريست بكلمة عنوانها «ضوء داخلي في فن مارون الحكيم». هنا كلمة العويط: «ليست صالاتٍ للعرض تلك التي باتت تحتضن أعمال مارون الحكيم الجديدة، رسماً ونحتاً وسطوحاً اخــتبارية، في مســقطه، في مزرعة يشـــوع. هي صالاتٌ للعرض طبعاً. لكن الأعمال المعلّقة والمعروضة، تُشعِر الزائر بأنها موجودة في مكانٍ أكثر عمقاً ورسوخاً، وأبعد مرمى مما هي عليه صالات العرض عادةً.

قد يصحّ أن أسمّي المكان بيتاً. بل متحفاً. وإذ أسمّيه بيتاً، فلأنه يملك مواصفات البيت، بما ينطوي عليه البيت من معاني الانتماء واللجوء الدافئ. وإذ أسمّيه متحفاً، فلأن المتحف يضفي على البيت دلالات تأويلية إضافية، تجعل الأعمال تعثر على حيّزها الأوسع، وتلتقي فضاءاتها الأعمق، التي تصبح جزءاً جوهرياً من سطوحها ومساحاتها وأحجامها وأبعادها وظلالها ونتوءاتها.

هكذا تستطيع الأعمال الفنية أن تنزع عنها إحساساً دفيناً بالتلبّك والاغتراب، لطالما كان يُشعرها بنوعٍ من التهديد المضمر في صالات العرض. هكذا أيضاً تستطيع الأعمال أن تخلع عنها ثياب المجاملات، وأن تتعرّى، كما لو أنها أمام مراياها.

هذا هو الشعور الذي غمرني حقاً، وأنا أزور هذه الغابة الكثيفة من الأعمال.

أقارب هذه الغابة التشكيلية مقاربةً تأويلية، من منطلقاتي الأدبية والجمالية الخاصة، داعياً المهتمين والزوّار إلى إرواء غليلهم بالمعارف الجمالية المباشرة. وليس من سبيل إلى ذلك، أفضل من تخصيص الوقت الكامل، وتحيّن المزاج الروحي الرائق لزيارة معرض مارون الحكيم هذا. لكني على يقين من أن التجربة التشكيلية المركّبة والمتشابكة لديه، رسماً ونحتاً، وبين بين، آخذةٌ في ترسيخ خبراتها وتقنياتها، وتوسيع آفاقها، وبلورة فضاءات جديدة لها.

هذه كلّها يُجريها الفنان في بواطن لوحته ومنحوتته، مشرِّحاً، مازجاً، مزوِّجاً، مستكشفاً، مكتشفاً، ومختبِراً؛ واصلاً بتجاربه إلى محطات ومدارك تمكّنه من الإحساس بالنشوة التشكيلية المرصودة للحكمة الهادئة غير المنفعلة، وللتؤدة، والنضج، والاختمار.

لا تستدرجنا الأعمال إلى العواطف الرخوة، والانفعالات المتساهلة، بل تأخذنا إلى الاستبصار، والاجتهاد، والتفكر، والأسئلة، لاستكشاف الخبرات الجمالية المتراكمة، بنيةً وراء بنية، وطبقةً وراء طبقة، وعمقاً وراء عمق، ولوناً وراء لون، وحجماً وراء حجم، وبعداً وراء بعد، وظلاً وراء ظلّ.

فإذا كانت الأعمال المعروضة أشبه بغابة، فليس على العين والعقل إلاّ إثارة الأسئلة واستدراج التأويلات المحتملة، عما يفضي إليه التزاوج من ولادات، في أحضان الغابة وتحت أسرارها».