أغاني عاطفية كانت بالأصل سياسية موجهة للرؤساء

طارق الشناوي

 

«أحبه حتى في الخصام»، مقطع لسيد الأنغام الشرقية سيد درويش، في «أنا هويت وانتهيت»، التي لحنها من مقام «الكورد»، ورددها عديد من المطربين. مؤخراً وفي جلسة خاصة – مع ملاحظة أن زمن «السوشيال ميديا» حطم حاجز الخصوصية – شاهدنا أصالة مع المطربة نوال الكويتية، ترددان: «أحبه حتى في الخصام»، وعلى الفور نشطت غدة التحليل لدى نشطاء «فيسبوك»، واعتبروها رسالة مضمرة لمطلِّقها المخرج طارق العريان، وعلى طريقة «الكلام إلك يا جارة»، تعلن أنها سامحته، و«بعده عني يا ناس حرام»!

تلك هي التحليلات «الحلمنتيشي» التي تضع أي شيء على أي شيء، و«كل يغني ويفسر على ليلاه».

على مدى التاريخ نجد تأويلات متعددة: أم كلثوم في رائعتها «الأطلال»، تقول: «أعطني حريتي أطلق يديَّ، إنني أعطيت ما استبقيت شيئاً»، القصيدة سُجلت عام 1966، بينما قبلها بنحو عام كانت الدولة قد لفقت اتهاماً بالجاسوسية للكاتب الكبير مصطفى أمين، فقالوا إنها رسالة من «الست» للزعيم، للإفراج عن صديقها! فهل كان أحد يجرؤ على مراجعة عبد الناصر؟!

بعد هزيمة 1967، عبد الحليم حافظ في أغنية «جانا الهوى»، يردد: «اللي شبكنا يخلصنا»، فقالوا إنه يقصد توجيه اللوم للرئيس! هل يصدق أحد أن «العندليب الأسمر» – وكانوا يطلقون عليه «جبرتي ثورة 52» – يغني كلمات تنال من ناصر؟! ووصلنا للذروة في أغنية «من سحر عيونك ياه»؛ حيث قالوا إن صباح أرادت التغزل في عيون عبد الناصر!

السادات أيضاً ناله من المداعبة جانب، فقالوا إن أغنية شريفة فاضل: «أسمر يا سمارة يا أبو دم خفيف، حبيتك يا سمارة وأنا قلبي ضعيف»، حملت مغازلة للأسمر أنور السادات! ولهذا كانوا لا يرحبون بوجود شريفة في الحفلات الوطنية. بينما الملحن هاني شنودة قال لي إن أغنية «زحمة يا دنيا زحمة»، لعدوية، وبها مقطع «مولد وصاحبه غايب»، أثارت الغضب في زمن مبارك، واعتبروها تعريضاً بالنظام، وصنفوا شنودة معارضاً و«ثورجياً».

لكن، هل توجد أغاني فعلاً حملت رسائل سياسية واجتماعية من دون تعسف في تفسيرها؟ الواقع يقول: نعم؛ فمثلاً: «يا بلح زغلول» كانت تتغنى باسم سعد باشا زغلول، الزعيم الوطني المصري؛ حيث اعتبرت قوات الاحتلال البريطاني أن ذكر اسمه جريمة، فصار عنواناً لأفضل أنواع البلح.

ويدخل الصراع بين المطربين من الباب نفسه، فقد كانت وردة تريد أن تصل رسالتها إلى عبد الحليم حافظ، بسبب صراعهما معاً على الملحن بليغ حمدي، والذي كان في ذلك الوقت زوجاً لوردة، فغنت في «ولاد الحلال» تلك الكلمات: «ناس ما بتحبش راحتنا، كل يوم قاعدين في بيتنا، ويطلعوا يجيبوا في سيرتنا»، فقال عبد الحليم ساخراً: «أول مرة حد يغني للنميمة». زياد رحباني قدم أول أغانيه لفيروز: «سألوني الناس عنك يا حبيبي»، التي كانت في عمقها رسالة حب من زياد لأبيه عاصي، والذي كان قد أصيب بمرض عضال.

ربما كانت أغرب الرسائل، تلك التي كتبها الشاعر والضابط عبد المنعم السباعي، بصوت أم كلثوم، وكانت تحمل كثيراً من اللوم، في أغنية «أروح لمين»؛ حيث كان السباعي مسؤولاً عن المكتب الصحافي لناصر، وبسبب وشاية تم إبعاده عن منصبه، فكتب معاتباً: «ما هو إنت فرحي، وإنت جرحي، وكله منك»، والغريب أن «أروح لمين» هي أغنية ناصر المفضلة!

 

نقلا عن الشرق الأوسط