يغلب التشاؤم على تقديرات غالبية الخبراء الأمريكيين بشأن الوضع في الشرق الأوسط بعد مقتل قاسم سليماني. ويقول خبراء إن العالم قد يُقبل على مرحلة عدم يقين تحتاج لدرجة عالية من اليقظة والحكمة لتجنب انزلاقات قد لا تحمد عقباها.
لا شك في أن اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، شكل مفاجأة وضربة من العيار الثقيل للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد تباينت ردود فعل خبراء السياسة الأمريكيين إزاء تداعيات هذه الخطوة من جانب الإدارة الأمريكية، والتي تفاخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإصداره الأمر بتنفيذها. ولكن يبدو أن التشاؤم إزاء ما سوف تشهده منطقة الشرق الأوسط هو الاتجاه السائد.
ويقول تيد جالين كاربنتر، خبير الشؤون الدولية بمعهد “كاتو” ومجلة “ذا ناشيونال انتريست” الأمريكية، إن الذين افترضوا أن ما تعانيه أمريكا من متاعب في الشرق الأوسط لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك في المستقبل، عليهم أن يترقبوا الآن مفاجأة غير سارة. ويرى كاربنتر أن الخطوة التي أقدمت عليها أمريكا تمثل تصعيدا متهورا، واستفزازا شديدا، من المؤكد أن إيران لن تستطيع السكوت عليه، وقد لا يكون انتقام إيران سريعا، ولكنه سوف يحدث. ويميل القادة الغربيون إلى الشعور بالقلق من احتمال سعي إيران إلى عرقلة الملاحة في الخليج، وربما تحاول أيضا إغلاق مضيق هرمز الحيوي.
ويشير الأدميرال الأمريكي المتقاعد جيمس ستافريديس إلى أن إيران تمتلك إمكانيات قوية للغاية في الحرب غير المتماثلة، فهناك الهجمات السيبرانية، وأساليب الزوارق الصغيرة، والغواصات التي تعمل بالديزل، وصواريخ كروز سطح- سطح. ولديهم خبرة في استخدام كل ذلك في ظروف الشرق الأوسط الصعبة.
من ناحية أخرى، يرى جون الترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، إنه رغم امتلاك إيران لهذه الإمكانيات في مجال الحرب غير المتماثلة، فإنها تفتقر إلى القوات، والأسلحة، والأموال والتكنولوجيا، لتكون متساوية مع الولايات المتحدة على أرض المعركة التقليدية، فهي تنفق الأموال الكثيرة على القوات التي تعمل بالوكالة عنها، وعلى عمليات المخابرات، وغالبا ما يكون هدف إيران هو أن تحمل الأعداء تكاليف باهظة.
ويقول الترمان إن العالم سوف يحتاج إلى أن يكون على درجة عالية من اليقظة لشهور، أو ربما لسنوات. وسوف تكون خسارة الاقتصاديات المتقدمة ذات البنى الأساسية المعقدة أكثر من خسارة إيران، وسوف تسعى إيران لزيادة تلك الخسائر. ويرى الترمان أنه من المؤكد تقريبا أن إيران سوف تعمل، على المدى القريب، من أجل تضخيم الاضطراب السياسي الحالي في العراق، بهدف دفع القوات الأمريكية إلى مغادرة البلاد هذا العام، وقد تنجح في ذلك. كما أن إيران سوف تلجأ إلى تصعيد الضغط على لبنان، التي تعانى من أزمة سياسية واقتصادية.
ويتوقع الخبير الأمريكي أن تشهد الأشهر القليلة المقبلة هجمات ضد سفن ذات أصول غير واضحة، وعنفا على نطاق محدود في دولة أو أكثر من دول مجلس التعاون الخليجي، وستعد إيران مسؤولة عن ذلك. وربما تقع أيضا هجمات سيبرانية. وسوف يتمثل جزء مهم من الاستراتيجية الإيرانية في الحرص على أن تكون تصرفاتها على مستوى منخفض بدرجة كافية لتجنب أي تصعيد نحو نشوب حرب واسعة النطاق.
ونظرا لما كان يتمتع به قاسم سليماني من مكانة، وخبرة واسعة النطاق، حذر كولين كلارك، الباحث في شؤون الإرهاب بمؤسسة البحث والتطوير( راند) الأمريكية، من أن الوضع بعد مقتله يختلف اختلافا جذريا عما كان عليه عقب العمليات الأمريكية التي قضت على أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، أو حتى في أعقاب قتل أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، مؤخرا.
ومن ناحية أخرى، غرد السفير الأمريكي السابق جيمس دوبينس، خبير الشؤون الدبلوماسية والأمنية في “راند” على شبكة التواصل الاجتماعي “تويتر” “إن الرد الإيراني على مقتل سليماني ليس الشيء الوحيد الذي يستحق المتابعة – لكن أيضا رد الفعل العراقي مهم للغاية. فمن الصعب الاعتقاد أن الحكومة العراقية سوف تواصل ترحيبها بالقوات الأمريكية ومنحها الحصانة”.
ومن جهته يرى ستيفن ايه. كوك، خبير الشؤون السياسية العربية والتركية بمجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة، أن التصعيد الأمريكي سيجعل المعركة ضد داعش في العراق أكثر صعوبة، وقد يؤجج المزيد من الاضطرابات في المنطقة.
كما أشار إلى أنه من الممكن أن تقوم إيران بتعزيز برنامجها النووي، وأن تستهدف المصالح الأمريكية في العراق، بل من الممكن أن تعمل على إثارة المزيد من العنف في أفغانستان، حيث ما زال الآلاف من الجنود الأمريكيين هناك، وكذلك استهداف الأمريكيين في الخارج. كما أشار إلى إمكانية أن تثير ميليشيا حزب الله، التي تدعمها إيران، العنف على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. ومن المحتمل تنفيذ هذه الردود في أوقات مختلفة، وبطرق تهدف إلى إقناع الإيرانيين بأنه رغم رحيل سليمانى، لا تزال دولتهم قادرة على إلحاق الضرر بالأعداء.
ويقول “راى تقية”، الباحث الإيراني الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أنه من الصعب تصور أن يكون هناك مسار دبلوماسي لحسم الخلاف الأمريكي الإيراني مستقبلا، ومن المحتمل أن تحتفظ إيران باستراتيجية” لا حرب ولا سلام” التي أعلنها المرشد الإيراني على خامنئى عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني منتصف عام 2018.
وذكر تقية أنه بالتالي يتعين أن تتمثل مهمة إدارة ترامب في زيادة إضعاف إيران. وقد حققت بالفعل نجاحات في هذا الصدد، حيث أضعفت الاقتصاد الإيراني، والآن أزاحت من المشهد قاسم سليماني، أحد قادتها البارزين. وأشار تقية إلى أن إيران عدو للولايات المتحدة، وأنه يتعين أن تكون هناك سياسة قضائية لإضعاف سلطة النظام الإيراني بصورة مستمرة. ونتيجة لذلك، ستعود إيران إلى مائدة التفاوض في مرحلة ما وهي في موقف ضعيف، أو ستنهار تماما.
من جهته، أعلن الحشد الشعبي العراقي أن جثمان أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي سيوارى الثرى في النجف جنوب بغداد بعد إجراء فحص الحمض النووي له في إيران. وذكرت الهيئة، في بيان، صدر عن مديرية إعلام الحشد الشعبي، أن “تشابك الأشلاء بين جثمان الحاج المهندس مع جثمان الحاج قاسم سليماني ومرافقيه استدعى إجراء الفحص لأجسادهم في العاصمة الإيرانية طهران، بعدما تحولت إلى أشلاء من شدة تفجر الصاروخ الأمريكي”. وأكد البيان أن “عملية فحص الحمض النووي بين الجثث سيستغرق أياما قبل العودة إلى العراق لإجراء عملية دفن جثمان المهندس في مقبرة وادي السلام استنادا إلى وصيته”. ومن المقرر أن يتم دفن سليماني في مدينة كرمان جنوب إيران بعد غد الثلاثاء.
المصدر: DW