هوكر نجار
الأحداث التي وقعت في عام 2018 والتطورات السريعة التي جرت في المنطقة وخاصة في شمال وشرق سوريا، إثر الحملات التي قامت بها قوات سوريا الديمقراطية للسيطرة على المساحة الجغرافية التي كان “تنظم داعش “يتحصن فيها، كانت تبشّر بحدوث تغييرٍ جذريٍّ في الأزمة وتوجهها نحو الحل السياسي، وبالأخص بعد أن تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من القضاء جغرافياً على تنظيم داعش.
ولكن القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا بحجة انتهاء مهمتها في القضاء على تنظيم داعش، وإثر القرار ظهرت تخبطات سياسية في الكونغرس الأمريكي وتوحّد الجمهوريون والديمقراطيون لأول مرة على قرار واحد وهو الخروج ضد قرار الانسحاب، وهذا ما أجبر ترامب على القول في الأول من كانون الثاني, إن الانسحاب من سوريا سيكون بطيئاً.
هذا الانسحاب الأمريكي أثّر على مهمة القضاء على خلايا تنظيم داعش الإرهابي وفكره المتطرف المنتشر في المنطقة، وخاصة أن تركيا حاولت الاستفادة من الخروج الأمريكي وشنت هجوماً لا يزال مستمراً على مناطق شمال وشرق سوريا منذ الـ9 تشرين الأول من عام 2019، والذي فسره مراقبون وبعد تزامنه مع الانسحاب الأمريكي بوجود توافق بين “الإدارة الأمريكية والتركية” حول الهجوم على المنطقة.
الهجوم التركي وخروج القوات الأمريكية أدى إلى ظهور تحالفات جديدة في المنطقة، وقعت قوات سوريا الديمقراطية مذكرة تفاهم مع النظام السوري برعاية الضامن الروسي تقضي المذكرة بنشر القوات السورية على كافة حدود الشمال السوري، وبموجب تلك التغييرات التي حصلت بمناطق الإدارة الذاتية دخلت روسيا لأول مرة منذ بدء الأزمة السورية إلى (الشمال السوري) وتمركزت في القواعد التي خرجت منها القوات الأمريكية في كل من كوباني (عين العرب) وعين عيسى وصولاً إلى تل تمر وقامشلو (القامشلي).
وبعد عقد تلك الاتفاقيات عادت القوات الأمريكية إلى المنطقة من جديد وبعدد أكبر، أوضحوا أنهم سيحمون الحقول النفطية لكي تستفيد منها قوات سوريا الديمقراطية، وأكدت أنها ستتمركز في هذه المناطق من ديرك مروراً بالحسكة وصولاً إلى حقول النفط في دير الزور، وأعادت انتشارها في هذه المناطق وأنشأت قواعد جديدة في كل من قامشلو (القامشلي) ودير الزور.
هذه العودة الأمريكية ودخول القوات الروسية أجبرت تركيا على عقد اتفاق لوقف إطلاق النار داخل المنطقة التي تسميها تركيا بـ “المنطقة الآمنة”، والذي لم ينفذ إلى الآن، فتركيا لا تزال مستمرة في هجماتها على مدن وقرى الشمال السوري، على الرغم من تسيير دوريات مشتركة روسية تركية على طول الشريط الحدودي من كوباني (عين العرب) وصولاً إلى ديريك (مالكية) أقصى الشرق السوري.
ولكن هجوم قوات النظام على إدلب والسيطرة على الكثير من المناطق وعدم تحرك (الضامن التركي)، للدفاع عن تلك الجماعات التي لا تزال تدعمها إلى الآن يشير إلى وجود اتفاقيات جديدة أبرمت بين الروس والأتراك فيما يخص الشأن السوري، ودليل جديد على أن تركيا باعت تلك الفصائل كما باعتها سابقاً في الكثير من المدن السورية منها حمص، حلب ودرعا. وخطاب وزير الخارجية التركية بأنهم سيبقون في نقاط المراقبة وعدم الهجوم عليها أو استهدافها من قبل قوات النظام يوضح أن روسيا وتركيا يعملون على مخططات جديدة في الشأن السوري لم يعلنوا عنها إلى الآن.
ولكن التقرب الأمريكي الروسي عمّق الأزمة بين واشنطن وأنقرة, وفي 10 حزيران, أوقفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تدريب الطيارين الأتراك على مقاتلات F-35، في قاعدة لوك الجوية بأريزونا، ورداً على الموقف الأمريكي وفي 12 حزيران, قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده اشترت بالفعل منظومة أس-400 الدفاعية من روسيا، وفي 12 تموز, أعلنت وزارة الدفاع التركية أنها بدأت بتسلم صواريخ إس-400 الروسية.
وبعد حزمة من العقوبات الأمريكية على تركيا، أعلن البيت الأبيض, وفي 17 تموز, أن الولايات المتحدة لن تبيع تركيا مقاتلات “أف 35″، وذلك على خلفية صفقة صواريخ “أس-400” بين أنقرة وموسكو.
إن الضلوع التركي في الأزمة السورية ودعمها للجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي وخروجها عن ما كان مخطط له من قبل الروس والأمريكان أنشاء تحالفاً بين واشنطن وموسكو، ويبدوا أنهم توصلوا إلى نقاط مشتركة في مصالحهما في الشرق الأوسط بشكل عام وسوريا بشكل خاص ومنها ضرورة وقف تمدد النفوذ التركي، وإخراجها مع إيران من المعادلة السورية، ولذلك توجهت تركيا إلى ليبيا بعد مقايضتها مع إدلب، مما يفسح المجال إلى إبعادها عن الكثير من الجماعات والفصائل المسلحة التي لم تدرجها (واشنطن وموسكو) على قوائم الإرهاب، حسب ما تشير إليه الأحداث ولكن دون أن تدرك بأنها بلعت الطعم الأمريكي الروسي.
وفي ظل هذه الأحداث المتسارعة التي جرت، هناك عدة سيناريوهات تنتظر الأزمة السورية في الأشهر القادمة، حيث ستعمل كلاً من واشنطن وموسكو على إرسال كافة الجماعات الإرهابية المرتبطة بتركيا إلى ليبيا، وإبعاد الفصائل غير المدرجة على قائمة الإرهاب عن تركيا وسيعملان على دمجهما مع قوات سوريا الديمقراطية، فالطرفان الروسي والأمريكي أيقنا أن قوات (قسد) هي البنية الرئيسية التي سيتشكل منها “الجيش الوطني السوري” القادم، وخاصة بعد أن أقدما على التعامل مع العديد من الفصائل المسلحة دون جدوى.
وسيعمل الطرفان على بناء سوريا لا مركزية على هيئة إقليم شبيه بالنظام الروسي أو الأمريكي، على أن يتبع عدة وزارت للمركز في دمشق وأهمها الجيش والخارجية وغيرها، وذلك بعد أن يعملا على إبعاد كافة الوجوه التي تدعم إيران داخل الحكومة السورية وقواتها العسكرية من كافة المراكز والدوائر الحكومية، على أن يحافظ الشمال السوري على خصوصيته الإدارية ويحمي حدوده الجيش الوطني السوري الذي سيتشكل.
وسيعمل الطرفان بعد إجراء هذه التغيرات على إخراج كلاً من تركيا وإيران والفصائل المرتبطة بإيران وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني بشكل مباشر من الأراضي السورية، فالأحداث التي تجري الآن في العراق ولبنان ومن قبلهما إيران تشير إلى هذا التحليل.
كما أن مبادرات توحيد الصف الكردي التي أطلقت من قبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية ومن قبلها الكثير من الدول وفي مقدمتهم فرنسا تشير إلى أن كافة الأطراف المتداخلة في الشأن السوري اتفقوا على أن تتم إعادة تجربة كردستان العراق في الشمال السوري، وذلك وفق معطيات ستضطر تركيا أيضاً الموافقة عليها بضغط روسي أمريكي.
*صحفي كردي مراسل ومحرِّر لدى وكالة أنباء هاوار (ANHA) للأنباء