يعرف الكثيرون أن المواقع الأثرية تحولت إلى ساحات للمعارك والاشتباكات كما ازدادت أعمال التنقيب والحفر العشوائي التي خربت أغلب المواقع ، وتضررت الكتل المعمارية لبعض المتاحف بسبب التفجيرات، كما نشطت حركة التزوير خاصة للتماثيل ولوحات الفسيفساء، إضافة إلى تحويل مواقع فريدة إلى أماكن للتدريب على الأسلحة واستهداف بعضها لأهداف إيديولوجية متطرفةفسورية تحوي عشرة آلاف موقع أثري وقدمت الكثير للعالم وحافظت على آثار فريدة لمختلف الحضارات التي مرت عليها منذ آلاف السنين .
سرقات وتزوير
المدير العام للآثار والمتاحف في سورية الدكتور مأمون عبد الكريم أوضح في تصريح لـ” روسيا سيغودنيا” أنه تم استرداد 6 آلاف قطعة أثرية كانت معدة للتهريب إلى كل من تركيا، والأردن، ولبنان، بعدما شهدت المتاحف السورية في بداية الأحداث سرقة قطعتين أثريتين هما تمثال برونزي مطلي بالذهب يعود للفترة الآرامية من متحف حماة، وقطعة حجرية رخامية من متحف أفاميا، كما تمت سرقة قطعاً أثرية من متحف التقاليد الشعبية في حلب، وهي عبارة عن أوان زجاجية وخناجر بغدادية وستة نبال وبعض الألبسة ، إضافة إلى سرقة 17 قطعة فخارية وبعض الدمى الطينية من قاعة العرض في قلعة جعبر .
وأشار عبد الكريم إلى أن الأحداث الأمنية التي شهدتها محافظة الرقة وغياب المؤسسات الحكومية والثقافية المعنية، أدى إلى قيام مجموعة مسلحة “أحرار الشام ” في 2013 بنقل ثلاث صناديق تحوي 527 قطعة أثرية تعود ملكيتها للمتحف الوطني إلى مكان مجهول بحجة حمايتها ولم تنجح النخب الاجتماعية باستعادتها ، كما استولى لصوص في حزيران 2013 على ستة صناديق تحوي قطعا أثرية كانت محفوظة في مستودعات متحف الرقة ولم تثمر الجهود من الاثاريين المتواجدين على رأس عملهم في استعادة هذه الصناديق حتى الآن، علما أنه عثر على صناديق تحوي 104 قطع أثرية في مدينة الطبقة ولم يعرف إن كانت هذه القطع كامل المقتنيات التي سرقت من الصناديق الستة، كما تعرض متحف دير عطية للتقاليد الشعبية للنهب بعد دخول المجموعات المسلحة في 21/11/2013 حيث سرقت المقتنيات التراثية والحديثة وجناح الفضيات و المجوهرات .
ويضيف عبد الكريم أنه من خلال فحص عينات من بعض المصادرات تبين أن حركة تزييف الآثار نشطت مجددا ، إذ يعمد لصوص الآثار إلى تزييف القطع ومحاولة بيعها على أنها أصلية وأثرية وخاصة لوحات الفسيفساء والتماثيل التدمرية، حيث أجرى فريق من المختصين بالفسيفساء القديمة دراسة على مجموعة من الصور للوحات التي يعتقد أنها سرقت وهربت من موقع افاميا وتبين أن معظمها قد يكون مزورا رغم الدقة العالية والمميزة في صناعتها، مشيرا إلى أن لوحات الفسيفساء تجسد مواضيع مستوحات من الأساطير اليونانية والصور الشائعة التي كانت تنتشر في سورية و الأقاليم الغربية من الإمبراطورية الرومانية في شمال إفريقيا وأوروبا وخاصة في تركيا لكن تقييم فريق المختصين للوحات الفسيفساء علميا من النواحي الفنية والأسطورية والتقنية رجح احتمالية كونها مزورة، ومن المعلوم أن ظاهرة تزييف الآثار موجودة منذ سنوات وهي جريمة يعاقب عليها القانون بصرامة ولكن الظروف الراهنة أدت إلى استفحالها مجددا .
مواقع مدمرة
ونتيجة الأحداث الساخنة التي تشهدها بعض المحافظات السورية يقول المدير العام إن المواقع الأثرية تحولت إلى ساحات معارك بسبب الاشتباكات العنيفة التي تدور رحاها في تلك المناطق، مما أضر بالمباني التاريخية والقلاع الأثرية الثمينة ، وخرجت مواقع أخرى بسبب أعمال التنقيب الهمجي والحفر الشرس ، فضلا عن اتساع رقعة التدمير الذي سببته عصابات الآثار المسلحة، ولاسيما في المناطق الحدودية، ففي حلب دمرت مئذنة الجامع الأموي الذي يعد من أهم الجوامع الأثرية في سورية ، كما تعرضت بعض المواقع الأثرية في المناطق المحيطة بحلب إلى أضرار يصعب تحديدها بدقة، ودمرت عمليات التخريب أجزاء كبيرة من الجهة الشمالية والغربية من تل قرامل في ريف حلب الذي يعود إلى العصور البرونزية، كما تعرض موقع خلكيس (قنسرين) جنوب غرب حلب الواقع على جبل العيس للتخريب والذي يعود إلى العصور الرومانية و الإسلامية، وتعرضت المدافن الأثرية التي تعود للفترة الكلاسيكية في صرين للحفر ما أدى إلى تخريب بعض جدرانها .
أما موقع شاش حمدان الذي يحوي المدافن الجنائزية النافرة شهد تخريب تمثال الثور المنحوت على جدار الجهة الشمالية، وتدمير المصطبة “المذبح” بشكل كامل ، وتخريب الغزالين في الجهة الغربية بشكل كامل ، وكذلك تم الحفر في الزاوية الشمالية الشرقية ، وسرقة البوابة المعدنية التي كانت تحمي الموقع، وتعرض موقع تل حالولة وهو موقع يعود إلى العصر الحجري الحديث للتخريب ، ومدفن أم السراج ، وقلعة الحلواني ، وموقع النبعة ، إضافة إلى التعديات التي حصلت نتيجة قيام بعض أهالي منطقة جبل الشيخ بركات بورشات ومقالع غير مشروعة ، إضافة إلى إشادت المخالفات العمرانية على التل الأثري أو ضمن حرمه .
ويتابع د. عبد الكريم أن مجموعة مسلحة اقتحمت كنيستي ودير قرية الجديدة الواقعة في منطقة جسر الشغور (ريف ادلب) وقامت بتحطيم كافة الصلبان والايقونات وسرقة إحدى عشرة أيقونة أثرية مسجلة لدى دائرة آثار إدلب، وشهدت قلعة حارم اشتباكات ولا توجد معلومات كافية عن الأضرار، كما شهد موقع إيبلا الأثري أعمال تنقيب شرسة وكثيفة في بداية الأزمة، وعمد لصوص الآثار للتنقيب غير المشروع في الموقع مستخدمين آليات ثقيلة لجرف التربة في أحد الكهوف للوصول إلى نهايته، ما تسبب بحدوث انهيار أودى بحياة شخصين من المجموعة وجرح آخرين ، كما انتشرت بعض الحفر في ساحات القصر الملكي/ G / حول غرف الأرشيف في موقع الاكروبول ، وحاول اللصوص الدخول على شكل أوكار تحت بعض الجدران بهدف الوصول إلى سويات أقدم غير منقبة سابقا، ويبلغ عدد المحميات الأثرية المدرجة على لائحة التراث العالمي منذ 2011 ثماني محميات ، وتعرض بعضها للانتهاكات خمس منها موجود في هذه المنطقة ضمن محافظة ادلب هي ( محميتان في جبل الزاوية ، محمية في جبل الأعلى، محمية في جبل باريشا ، محمية في جبل الوسطاني ) إضافة إلى ثلاث محميات أخرى في محافظة حلب، كما تم في دير الزور حفر تل السن والمدافن البيزنطية وسرقتها، واستمرار البناء المخالف ضمن الموقع والحرم الأثري ، كما أكدت التقارير وجود عصابات مسلحة في بيت البعثة “تل الحريري ” ماري ” يشارك فيها بعض أهالي المنطقة وعملوا على جلب أجهزة للبحث عن الكنوز في محاولة لسرقة آثار من الموقع ، وتعرض تل طابوس أيضا للتنقيب وسرقة من قبل لصوص أثار .
أما في محافظة الرقة هاجم أكثر من مئة مسلح مستودعات مبنى هرقل الأثري وسطوا على مئات القطع الأثرية ، علما أن عمال الآثار ردموا أبواب ونوافذ مستودعات مبنى هرقلة بالأتربة الممزوجة بالطوب لحمايتها اثر تعرض المبنى إلى الاقتحام والسرقة ، بينما كانت نسبة الضرر محدودة في مواقع منها (تل الفش ، المسجد العتيق ، تل حمام التركمان ، تل شاهين ، موقع الشيخ حسن )، وتضررت كنيسة أم الزنار في محافظة حمص إضافة إلى كنائس أخرى، كما تسببت الاشتباكات في تضرر بعض أجزاء قلعة الحصن الداخلية وتعرض مسجد خالد بن الوليد لأضرار، وانتشرت أعمال الحفر في منطقة المدافن الجنوبية الشرقية المنقبة في تدمر، وكذلك أضرار طالت المعبد “بل” الأثري ، أما في دمشق وريفها تسببت عبوة ناسفة زرعت على طرف الطريق في شارع الكلاسة ضمن منطقة دمشق القديمة بأضرار جزئية في واجهة المدرسة العادلية الكبرى (مجمع اللغة العربية )، كما أصابت قذيفة أخرى جدار واجهة مبنى الجامع الأموي من الداخل والذي تكسوه لوحة فسيفساء ، وفي درعا دمرت مئذنة الجامع العمري نتيجة قذائف الهاون ، وتعرض جامع الحراك الأثري في ازرع لأضرار، إضافة إلى تضرر مبنى مبرك الناقة في بصرى القديمة ومعبد حوريات الماء في بصرى ( المسمى شعبيا سرير بنت الملك ).
تعاون دولي
وعن استعادة القطع المسروقة أوضح عبد الكريم أنه تم استرجاع ما يزيد عن 4 آلاف قطعة أثرية خلال العام الماضي عبر مصادرات شاركت فيها الجهات المعنية ، كما استعادت كنزا من 1600 مسكوكة برونزية موشاة بالفضة مكتشفا في جبل الشاعر بين تدمر وحمص إضافة إلى عشرات القطع الأثرية التي كانت في طريقها للتهريب، كما تتواصل المديرية بشكل مباشر مع كل من الانتربول والجمارك الدولية ، وتبلغه عما فقد أو عثر عليه في الدول المجاورة أو عن كل ما انتشر من صور يعتقد أنها للقى أثرية سورية ، وقد أثمر التعاون مع الأنتربول والمؤسسة الأثرية اللبنانية في مجال مكافحة الاتجار بالآثار السورية ، مصادرة 18 لوحة فسيفسائية سورية على الحدود اللبنانية ومصادرة 73 قطعة أثرية مهربة إلى لبنان.