فجر الرئيس الأميركي دونالد ترمب مفاجأتين جديدتين، عشية الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد «داعش» في واشنطن أمس، لدى قوله إن القوات الأميركية ستبقى في جيب شمال شرقي سوريا قرب حدود العراق لـ«حماية النفط»، وإنه لن يتدخل في الحروب الطاحنة بين تركيا والأكراد شمال سوريا.
الإشكالية في هاتين «المفاجأتين»، أنهما جاءتا عشية اجتماع وزاري تسعى واشنطن فيه إلى «مناشدة» الدول الحليفة تعزيز مساهمتها المالية والعسكرية لمواصلة الحرب على خلايا «داعش» بالتعاون مع «الحلفاء المحليين»، أي «قوات سوريا الديمقراطية».
كان الرئيس ترمب أعلن في 6 الشهر الماضي سحب القوات الأميركية من شمال سوريا على حدود تركيا، ما سمح للجيش التركي وفصائل موالية بشن عملية «نبع السلام» بين مدينتي تل أبيض ورأس العين شرق الفرات.
قوبل هذا القرار بحملة في المؤسسات والكونغرس في واشنطن واتهامات لترمب بـ«التخلي عن الأكراد». كما قامت دول أوروبية بحملة مماثلة لـ«حماية الأكراد» وسط جهود لوقف للنار بعدما سيطرت تركيا على نحو 4 آلاف كلم مربع. ودعا وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان إلى اجتماع عاجل للتحالف الدولي ضد «داعش».
بحث مستشارو ترمب عن صيغة ترضي الأطراف المتناقضة في المعادلة: أولا، إرضاء ترمب الراغب بأن يعلن سياسيا «الانسحاب من الحروب غير المنتهية في الشرق الأوسط» بما يخدم حملته مع اقتراب الانتخابات نهاية العام المقبل. ثانياً، البقاء عسكريا لمواصلة الحرب ضد خلايا «داعش». ثالثا، عدم التخلي بشكل كامل عن «الحلفاء الأكراد». رابعا، الاحتفاظ بورقة تفاوضية مع دمشق وموسكو بما يخص العملية السياسية التي تعتبر اللجنة الدستورية بوابتها الحالية. خامساً، التمسك بورقة تفاوضية ضد تركيا التي «تنزلق» بعيداً من حلف شمال الأطلسي (ناتو) باتجاه «الحضن الروسي». سادساً، تلبية طلب بالإبقاء على قاعدة التنف لقطع خط الإمداد بين طهران ودمشق وبيروت وتوفير دعم استخباراتي لعمليات عسكرية غرب العراق وشرق سوريا.
لم يكن صعباً إقناع ترمب بالإبقاء على قاعدة التنف؛ ذلك أنه قبل بقاء قواته فيها حتى عندما أعلن الانسحاب في 6 الشهر الماضي، لكن العقدة كانت في تمرير بقاء القوات البرية، فجرى تقديم «مخرج» لترمب بأن البقاء يرمي إلى «حماية النفط كي لا يقع بأيدي (داعش) أو أيد غير أمينة».
هناك مشكلتان في هذا «المبرر»: الأولى، لا يوفر الغطاء القانوني في واشنطن للوجود الأميركي، ذلك أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما استند إلى قوانين ما بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 كي يبرر تشكيل الحالف الدولي ضد «داعش» وإرسال قوات لمحاربة هذا التنظيم الذي يعتبر امتداداً لـ«القاعدة».
قبل المؤتمر الصحافي لترمب مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، سئل مسؤول أميركي رفيع: «بعض الحلفاء الأوروبيين، ولا سيما الفرنسيين، الذين طلبوا اجتماع التحالف الدولي (في واشنطن أمس)، يتوقعون من الولايات المتحدة أن تعلن بوضوح أن قواتها في شمال شرقي سوريا ليست موجودة من أجل النفط فقط وأن هناك قوات كافية، النوع الصحيح من القوات، للقيام بمكافحة الإرهاب لتكون قادرة على مواصلة القتال ضد (داعش). هل أنتم مستعدون لمنحهم هذه الإجابات الواضحة؟».
أجاب المسؤول: «سنقوم بذلك غدا (أمس)، لكننا فعلنا ذلك بالفعل. قمت بذلك مع زملائي الأوروبيين، بمن فيهم الفرنسيون. واسمح لي في هذا الصدد أن أوضح: إن القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا موجودة هناك بتفويض لمحاربة الإرهاب، وعلى وجه التحديد لضمان دحر دائم لـ(داعش). وهذه هي مهمتنا برمتها».
المشكلة الثانية، لا يعطي هذا «المبرر» غطاء كافياً لدول أوروبية كي ترسل قوات إضافية من دون موافقة المؤسسات التشريعية. حالياً القوات الخاصة موجودة ضمن تحالف دولي لقتال «داعش» وحماية الأمن القومي.
وقال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أمس أن 500 – 600 جندي سيبقون في سوريا، مضيفا: «الأمور تتغير. الأحداث على الأرض تتغير. يمكن أن نرى مثلا شركاء وحلفاء أوروبيين ينضمون إلينا. إذا انضموا إلينا على الأرض، فقد يسمح لنا ذلك بإعادة نشر مزيد من القوات هناك».
وما يعقد القرار على الأوروبيين، إعلان الانطباع بـ«التخلي الأميركي عن الأكراد» الذين يحظون بدعم في دول أوروبية، لصالح تركيا التي ساهم تعزيز علاقاتها مع روسيا في شق صف «حلف شمال الأطلسي». وكان «التخلي عن الحلفاء الأكراد» شرق الفرات ترك فراغا على الساحة السورية ملأته روسيا وتركيا، ما أثار غضب العديد من أعضاء الكونغرس من ديمقراطيين وجمهوريين على السواء ودول التحالف.
لا شك أن اجتماع التحالف الدولي ضد «داعش» بمشاركة 31 دولة في واشنطن، شكل اختباراً لقدرة الدبلوماسيين الأميركيين على إعطاء تطمينات لحلفائهم كافية كي تساهم الدول الحليفة مالياً وعسكرياً شرق الفرات، خصوصاً أن مسؤولين أميركيين يقولون: «لم تتغير أهدافنا الثلاثة: محاربة خلايا (داعش)، والحد من نفوذ إيران، والإمساك بورقة تفاوضية مع روسيا للوصول لحل سياسي للأزمة السورية… وإن كانت الإمكانات العسكرية تغيرت، بل تقلصت شمال شرقي سوريا».
المصدر: الشرق الأوسط