مها محمد الشريف
لقد تمّ الاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية في أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية. كما اعترفت الكثير من حكومات المقاطعات بالإبادة الأرمنية، على سبيل المثال اعتمدت 43 ولاية أميركية قرارات تعترف بالإبادة الجماعية الأرمنية، وبالمثل فإن مجالس الدول أو المدن في البرازيل وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وسويسرا وكندا وفي عدة بلدان الأخرى اعترفت أيضاً بهذه الجريمة.
هذا ما قاله سفير جمهورية أرمينيا لدى مصر كارِن كريكوريان في لقاء مع دورية «الأهرام العربي»، حيث أجاب عن أسئلة متعلقة بالإبادة الجماعية الأرمنية، واصفا الإمبراطورية العثمانية بالتاريخ الدموي وأن ما حدث للأرمن في تركيا العثمانية هو وصمة عار في تاريخ البشرية، والطريقة الوحيدة لتنظيف هذه البقعة هي المواجهة والتوبة من تركيا لتاريخها، واعتراف حكومتها بإبادة الشعب الأرمني، ولكنها تستمر بالجريمة وتشجّع على تنفيذ عمليات إبادة جماعية جديدة.
والقصد هنا إبادة جديدة للأكراد، وذلك بعد العملية العسكرية التركية شمال شرقي سوريا، ورسم طبيعة الأرض على طاولة الحرب، والتكتيك الذي يقضي بإبادة الأكراد من خلال دور كبير في تطوير اللعبة، كوسيلة لتحسين الصورة أمام العالم، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من انتقادات غربية وعربية.
لا شك أن الصراع القديم يتجدد بين الدولة التركية والأكراد، ويمكن تصويره بالتسلسل للمواقف المتتالية، فالأكراد يمثلون نحو 15 أو 20 في المائة من السكان، وعلى مدار التاريخ صعب التكيف مع المتغيرات، أو محاولة الوصول إلى حلول وقرارات لحل المهام المعضلة، وتقويم الخطط العسكرية على مختلف المستويات وتطويرها، فقد عاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية، وحاولت طمس هويتهم وثقافتهم وتاريخهم.
أما التأثير المعنوي للسياسة بهذا المفهوم فيعني صعوبة التعايش والتآلف، فقد قاد الأكراد عدداً من حركات التمرد في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي لكن تم إخمادها بالحديد والنار، فقد حدثت معظم حالات التطهير العرقي في القرن العشرين خلال الحروب، وعلى الرغم من أن الأمر يبدو معقداً، فإن غايته غير مألوفة، حيث تم إبعاد عشرات الآلاف منهم إلى مناطق بعيدة عن مدنهم وقراهم في إطار سياسة التغير الديموغرافي، وتم تغيير أسماء القرى والبلدات والمدن الكردية، وتم حظر الأسماء والأزياء الكردية. كما حظر استخدام اللغة الكردية، وأنكر وجود الهوية العرقية الكردية، وأطلق عليهم اسم «أتراك الجبال».
وفي عام 1978 أسس عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني، الذي نادى بتأسيس دولة مستقلة في تركيا، ثم بدأ الحزب الصراع المسلح بعد ست سنوات من تأسيسه. ومنذ ذلك الحين، قتل أكثر من 40 ألف شخص وتم تدمير أكثر من 3 آلاف قرية وتهجير سكانها إلى غرب تركيا.
ونتيجة لهذه العملية العسكرية جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الحرب لعبة سياسية يستغلها في القرارات السياسية والمواقف والفرضيات التي تزداد أهميتها كلما اقترب موعد الانتخابات، وعمد إلى تطويق الجيش باللعب بالقوانين وقواعدها المحدودة، وذلك يعتبر أساساً جديداً قوياً للعب الحرب الحديثة التي تعتمد على اللاعبين من المنظور العسكري.
ولم يحل لغز الجرائم بعد، فقد حمل التاريخ على كاهله تلك الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها السلطات العثمانية في الفترة بين عامي 1915 و1916، فالحكومة العثمانية سعت إلى ترسيخ الهيمنة التركية المسلمة في منطقة الأناضول الشرقية، من خلال القضاء على عدد كبير من الأرمن، ومهما كان الإنكار فالحقائق لا تموت عبر الأزمنة ولن تتغير أو يسهل نسيانها.
ولكن الهامش المضحك في زخم هذه الحقائق انتقاد إردوغان اعتراف مجلس النواب الأميركي بـ«الإبادة الأرمنية»، ووصفه بأنه «لا قيمة له» و«أكبر إهانة» للشعب التركي، وفي وقت سابق استدعت تركيا السفير الأميركي بسبب قرار المجلس، وتنفي تركيا ارتكاب إبادة، وتقول إن الأرمن والأتراك قتلوا نتيجة الحرب العالمية الثانية، وتقدر عدد القتلى بمئات الآلاف.
ولكن تصويت مجلس النواب هو الأول في الكونغرس الأميركي، الذي قال عنه أردوغان إنه تصويت مسيّس، وإن البرلمان التركي سيطرح قراراً مضاداً. ولم يحدد ما سيشمله القرار، ولكن في خطابات سابقة تطرق إلى إساءة معاملة سكان أميركا الأصليين.
ويدخل الحزب التركي الحاكم في متاهة مظلمة بعد الاستقالات ومن ثم الانشقاقات المتتالية، بداية من استقالة داود أوغلو في 13 سبتمبر (أيلول) الماضي، ونائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، في يوليو (تموز) الماضي، بعد فترة من انتشار مزاعم حول اعتزامهما تأسيس حزبين جديدين مناهضين للحزب الحاكم بزعامة إردوغان، وإن حلفاء الرئيس السابقين يعترضون على حكمه وسياسته.
وأي منقلب سينقلبون عليه مع العالم الذي يشهد كذباً وتشويهاً للحقائق، ولكن جاءت الشرارة التي فجرت برميل البارود إنقاذاً للاكراد من مجزرة شبيهة بمجزرة الأرمن، حيث نشرت الخارجية الأميركية بياناً قالت فيه إن الرئيس دونالد ترمب وقع أمراً تنفيذياً يسمح لوزارتي الخزانة والخارجية بفرض عقوبات على شخصيات ومؤسسات تركية ضالعة بالعملية العسكرية التي تعرض حياة المدنيين للخطر، وتقوض السلام في شمال شرقي سوريا.
نقلا عن الشرق الأوسط