قائد كردي.. أحرج تمثال الحرية.. هزّ العالم لمدة خمسة أيام

أحمد بافى آلان

بعيدا عن الحراك السياسي والإداري في بدايات الأزمة السورية وخاصة في المناطق الكردية وسيطرة مجلس شعب غرب كردستان على غالبية المدن والبلدات الكردية في روجآفاي كردستان. ظهرت في تلك البدايات أسماء قيادات كثيرة ضمن مجلس غرب كردستان ولاحقاً (حركة المجتمع الديمقراطي)، وكانت تظهر على وسائل إعلام دولية وإقليمية ولاحقا المحلية. قيادات سياسية وعسكرية وإدارية عملت مع أحزاب سياسية ومع كافة مكونات المنطقة لتشكيل إدارة ذاتية لتسيير أمور المواطنين ولحماية المنطقة، ولاحقاً تطورت هذه الإدارة من خلال التنظيم الإداري والاقتصادي والأمني وراقبت الأوضاع التي تجري في سوريا عن كثب وانتهجت الخط الثالث في المعمعة السورية، ومن خلال مشاريع سياسية عديدة، تمكنت تلك القيادات من كسب صداقات دولية ساهمت تلك الصداقات في العمل الدبلوماسي(السياسي) الغير شرعي، والعسكري العلني، الذي تطور إلى دخول قوات التحالف الدولي على خط المشاركة مع قوات حماية الشعب والمرأة(YPG,YPJ) في الهجوم  على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عندما حاول أن يحتل مدينة كوباني. الانتصار الساحق على هذا التنظيم في مدينة كوباني ساهم في تعزيز العلاقة بين دول التحالف مع هذه الإدارة والذي تتطور للتنسيق رسمياً في العام 2014 بإعلان الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

بعد الرفض التركي المتواصل لدى التحالف الدولي عن عدم قبوله بتقديم الدعم لقوات حماية الشعب والمرأة من قبل التحالف الدولي، وتدعي تركيا لدى دول التحالف بأن تلك القوات هي تنظيم مسلح عائد لحزب العمال الكردستاني. تفهمت قوى التحالف الدولي الأمر وعلى الفور في العام 2015 تم  تأسيس وتشكيل جيش مؤلف من أبناء جميع مكونات المنطقة تحت مسمى ” قوات سوريا الديمقراطية”. وبدأت العمليات العسكرية ضد معاقل تنظيم  “داعش” في الرقة عاصمة الخلافة المزعومة.

في الحرب ضد تنظيم داعش، ذاع اسم  يُدعى شاهين جيلو (مظلوم كوباني)،   ينحدر من مدينة كوباني؛ درس كلية الهندسة ولم يكمل، ترك كل شيء وراءه لينضم إلى حركة التحرر الكردستاني. وعند اندلاع “الثورة” في سوريا وككردي سوري عاد مع رفاقه الكرد السوريين للمساهمة في الثورة والدفاع عن قضية الشعب الكردي وكافة المكونات المتواجدة في روجآفاى كردستان.

 تسلّم كوباني  قيادة قوات سوريا الديمقراطية وظهر مظلوم كوباني للمرة الأولى مع ضباط من التحالف الدولي على سفح جبل “قرجوخ” منطقة “ديريك”، بعد قصف الطائرات الحربية التركية مقرات عائدة لقوات حماية الشعب.

وبدأ يظهر كوباني على وسائل إعلام دولية وإقليمية وبحسب العديد من التقارير واللقاءات التي أجريت مع هذا القائد الجميع أكد بأنه قائد عسكري بارع وهادئ ومنطقي يتحدث عن الأمور العسكرية ويشرحها من الجانب السياسي أيضاً. وسائل إعلام دولية كتبت عنه بأنه صديق أمريكا في المنطقة، وأن أمريكا تحترم هذا الرجل وتهتم بتوجيهاته كثيراً، وظهر ذلك أثناء تحرير مدينة الرقة والمؤتمر الصحفي الذي عقده قائد العمليات المشتركة في التحالف الدولي عبر دائرة تلفزيونية مباشرة من قاعدة الأسد الأمريكية في العراق مع العديد من رؤساء كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية، حينها سأله أحد الصحفيين بسؤال عن مصير قوات سوريا الديمقراطية وأين ستتوجه تلك القوات بعد تحرير الرقة، حينها أجاب القائد العسكري الأمريكي، أن هذا الأمر يتعلق بقرار القائد كوباني وهو قائد قوات سوريا الديمقراطية، وحده من يمتلك قرار تحريك قواته لا نحن.

قيادات عسكرية وسياسية دولية وإقليمية، زارت القائد كوباني في مقره بعين عيسى والجميع أبدى رأيه بهذا القائد بأنه من القيادات العسكرية البارزة وصاحب قرار وقواته تأتمر لأوامره مباشرة، وذاع اسم كوباني في العالم، حتى تم دعوته مؤخراً إلى الأمم المتحدة ووقع مذكرة تفاهم مع الأمم المتحدة بخصوص منع تجنيد القاصرين ضمن قوات سوريا الديمقراطية وهذا ما قرره  الجنرال كوباني حتى قبل الذهاب إلى الأمم المتحدة بعام حيث أصدر هذا القرار إضافة إلى قرارات أخرى حول تنظيم ومأسسة قواته.

كل الانتصارات التي حققها القائد مظلوم كوباني في الأعوام الأربعة المنصرمة، القضاء على أكبر تنظيم إرهابي عالمي والإعلان عنه رسمياً في 23/3/2019 وبحضور شخصيات سياسية وعسكرية دولية وإقليمية وأيضاً حضور 400 وسيلة إعلامية دولية وإقليمية تمكنت قوات كوباني إعادة الحياة المدنية الآمنة إلى مدينة الرقة ودير الزور، كل هذا كان غير مقبول ويرفضه بشكل يومي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تمكن الأخير من تهديد أوربا والغرب بعدم الاعتراف السياسي بهذه القوات وبعدم إنشاء محكمة دولية في مناطق الإدارة الذاتية، وطالب بقطع الإمداد العسكري لقوات كوباني، وأخيرا أعلن بأنه سيدخل مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. تمكنت أمريكا مرات عديدة من إقناع أردوغان عبر لقاءات ومشاورات وحتى مكالمات هاتفية بين الرئيس ترامب وأردوغان حتى تم مؤخراً الاتفاق على المنطقة الآمنة والتي وافق عليها  الجنرال كوباني كي لا يدخل حرباً مع تركيا، وسار مع أمريكا وفريق: جيفري. دمر  القائد كوباني تحصيناته العسكرية الحدودية كُرمى أعين الرئيس ترامب، ووافق على إخلاء قواته من المنطقة الحدودية الآمنة، الرجل وثق بأمريكا وعلاقته معها والدور الذي لعباه في القضاء على داعش.

خيانة أمريكا

خانت أمريكا قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني ولم تعمل وتساهم بالوقوف أمام العدوان التركي مع ميليشياته بالهجوم على مناطق الإدارة الذاتية. بدأ العدوان التركي بالهجوم، وبدأت قوات مظلوم كوباني بالتصدي، وبدأ العالم يندد، وبدأ الرئيس الأمريكي بإبداء رأيه في الهجوم، العالم كله وقف على قدميه الكل يدين ، يخرج على وسائل الإعلام، بيانات دولية، غربية أوربية، إقليمية. الأمور تتجه نحو الخطورة، مناطق القائد كوباني تحوي 100 ألف داعشي في السجون والمخيمات، الرجل يقاتل بهدوء لم يخرج إلى الصحافة، اعتمد الأساليب العسكرية البحتة، بأن لا شيء سينفع سوى القتال ومازال يقاتل.

بعد أيام من بدء هجوم العدوان التركي خرج القائد وتحدث مع معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية العالمية ومع خبراء أمريكيين، ورغم هجوم ثالث قوة عسكرية في الناتو، على قواته، خرج بمعنويات عالية، أجل خرج هذا القائد الكردي “القروي الجبلي”.. وهدد أمريكا، هددها بأن يكون لديها موقفا واضحا من هذا العدوان وإلا سيخرج للصحافة بشكل رسمي وسيطلب من أكبر دولة في العالم بالخروج من مناطقه، وسائل إعلام عالمية ترجمت عنه بأنه سيطرد أمريكا.

خرج وقال خانتني أمريكا، وطلب منها أن تبدي موقفها السريع والفوري جراء العدوان التركي، غير ذلك عليها الخروج من مناطقنا وعدم التدخل في شأن ما يجري، وسنختار المقاومة لحين حسم خياراتنا وربما عقد صفقة مع قوات الحكومة السورية بطلب وضمانة روسية، نجح القائد كوباني بالتفاوض مع الحكومة السورية برعاية دولة روسيا، واتفقا على نشر القوات السورية على الحدود السورية التركية من عين ديوار حتى مدينة كوباني.

شرح الجنرال كوباني موقفه النهائي عبر مقال نُشر في الصحافة الأمريكية، وأثارت ضجة واسعة على مستوى الرأي العام الأمريكي وبالتحديد بين كبار سياسي الحزبين(الجمهوري والديمقراطي)، الكل وقف عند تصريحات هذا الكردي، الذي قاتل نيابة عن العالم أجمع، ما دعا إلى التحرك الفوري من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي ولأول مرة في تاريخ أمريكا يتفق الحزبان الرئيسيان في مجلس الشيوخ على قرار تم النقاش عليه في المجلس.

خرجت أمريكا من غرفتها ومن عالم ترامب في مواقع التواصل الاجتماعي وتغريداته الذي وصفها الكثيرون بالعجيبة والغريبة وكيف لرئيس أقوى دولة في العالم أن يدلي بتصريحاته عبر تغريدات في موقع “تويتر” . على وجه السرعة والتخوف الحاصل في إدارة ترامب بعد قرار الجنرال التحالف مع روسيا والحكومة السورية، بادر ترامب إلى توقيع العقوبات الصارمة المؤجلة “التنفيذ” ضد تركيا وقياداتها السياسية والعسكرية، وأوعز نائبه بالذهاب  على رأس فريق سياسي إلى تركيا للطلب من أردوغان بوقف الغزو التركي على مناطق شمال وشرق سوريا فوراً، إضافة إلى الحدث الأكبر والأهم هو المكالمة التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الجنرال مظلوم كوباني قائد قوات سوريا الديمقراطية، والذي اعتبرها الكثيرون بأنها بداية للاعتراف السياسي بهذه القوات في شمال وشرق سوريا.

قال له ترامب في المكالمة الهاتفية بحسب التسريبات ممازحاً: “هناك من بجانبي من يحبونك أكثر من وطنهم”.

أشرنا إلى هذه الجزئية في بداية المقال، الكل يحب هذا الرجل ويحترمه؛ لأن الكردي عندما يوعد بكلمة أو يقولها، بكل تأكيد سيكون مخلصاً ووفيا لكلمته، قالها كوباني في البداية ساعدوني وسأقضي لكم على أعتى تنظيم إرهابي في العالم.

دافع نيابة عن العالم والآن العالم كله يقف معه، يجتمع لأجل قضيته، يحاول إيجاد مخرج لوقف الغزو التركي.

والقائد حسم أمره، والكرة الآن في ملعب” أمريكا، روسيا، دمشق” من سيعترف بقضيته رسمياً وعبر “ضمانات دولية” سيقف إلى جانبه.

مظلوم كوباني..أحرج تمثال الحرية.. هزّ العالم في خمسة أيام.