الإعلام ومنظومة الأخلاق الحميدة

 

 

 

 

 

 

 

طيّب سنعيد تعريف المصطلحات: كل مواطن ـ صحافي، لا تعني حتماً كل مواطن ـ مخبر أو جاسوس. الحريات الشخصية، شخصية وخاصة، وعرضها على موقع إلكتروني ومشاركتها على مواقع التواصل تجعلها “عامة”. أما الآن فليأخذ أحد هذه الأسطر القليلة وليعطها للإعلام!

في إطار اللهاث وراء نسب المشاهد والمشاركة بدأت بعض المواقع اللبنانية المصنّفة “محترمة” باللجوء إلى عناوين جنسية تارة، وصادمة تارة أخرى بهدف جذب الجمهور. كلّ ذلك قد يكون مفهوماً ما دام مضمون المادة الصحافية، غالباً ما يكون عادياً وأقلّ. لكنّ قناة لبنانية قرّرت هذه المرة، الذهاب في اللعبة حتى الآخر.

عرضت على موقعها الإلكتروني فيديو لفتاتين في أحد المنتجعات اللبنانية الخاصة وهما “تمارسان أفعالاً خادشة للحياء”. قالت المحطة إن الفتاتين “على الأرجح غير لبنانيتين”، وتلتها بوعظة أخلاقية طويلة عما يجب ولا يجب فعله في المجتمع. وفي انتهاك واضح لخصوصيات الناس، قرّرت المحطة نشر وجهي الفتاتين بشكل واضح، وفتحت باب مشاركة الشريط على كل مواقع التواصل.

لم تعتذر المحطة عن تلصصها على حياة المواطنين في يومياتهم. لم تنزعج من نشرها شريطاً  هو بالفعل “خادش للحياء”، والترويج له لا يجعل من القناة إلا شريكاً في ما تعتبره هي ومجموعة أخرى من وسائل الإعلام “تدميراً لصورة المجتمع اللبناني”. أصلاً الأرجح أن المحطة لم تجد أي خطأ في “الوشاية بالفتاتين الأجنبيتين اللتين تريدان إفساد شبابنا”.

لنضع فيديو الفتاتين جانباً، فما هو إلا جزء من لعبة حزينة، بدأ الإعلام يغرق فيها. أما “الحدوتة” الحقيقية فهنا: في لحظة واحدة من حياتنا، قرّرت وسائل الإعلام أن تستبدل دورها. قرّرت فجأة أنّ تلعب دور الواعظ، دور حامي المنظومة الأخلاقية بشكل سطحي وسخيف ومهين.

في هذه اللحظة نفسها، كشفت وغيرها من المحطات التي أعادت نشر الخبر والفيديو عن حجم المأزق الذي يغرق فيه الإعلام، وحجم الإفلاس في ظلّ المنافسة الشرسة والسريعة مع مواقع التواصل الاجتماعي. منافسة حلّها وحيد بالنسبة إلى البعض: الجنس وما يدور في فلكه من ملفات “فضائحية”. يحصل ذلك، كل ذلك، وسط أزمة سياسية وأمنية واقتصادية تحاصر اللبنانيين، تحاصر العالم العربي، حدّ الخنق، حدّ الموت.

“إنجاز” هذه المحطة ليس الأول من نوعه بل سجلّها مليء بـ”انجازات” مماثلة: الوشاية بنواد ليلية خاصة بالمثليين الجنسيين في بيروت، إظهار وجوه فتيات يعملن في مجال الدعارة بشكل مخالف طبعاً لكل المواثيق الأخلاقية… لم لا؟ أهلاً بكم في جمهوية الأخلاق الحميدة (جداً).

عن العربي الجديد