بين الصلاة والإلحاد يتحطم الكأس ويخلد العشق

لست ممن يخوض غمار النقد في الرواية أو الشعر لأنها ليست مهنتي..أنا فقط هنا أود أن أكتب رأيي المتواضع برواية جلبتها الأيام ووضعتها بين يدي فوجدت نفسي أغرق بين سطورها.
ورغم ان الرواية ليست مغرية للقارئ بسبب حجمها الكبير والذي كان (486) صفحة لكن العنوان كان مستفزا للبحث عن مكنونات العنوان وعن قضية آخر العشاق.
الكاتب سردار كان مغامرا برش عطر التصوف على قميص السرد حتى باتت السطور ببعض الأماكن عبارة عن سفر في الروح..ولا أبالغ ان قلت ان وجود روح العطار كانت واضحة وملامح حياته وطريقة موتة يلمسها القارئ النبيه برحلة عشق آتيلا,
فليس من السهل أن تضع بجيوب الرواية مقاطع متخومة بالحكمة والعبرة من كتاب منطق الطير للمتصوف فريد الدين العطار وربطها مباشرة بكل حدث يمر بالبطل ومن حوله .
من خلال القرآءة وجدت أن كأس الخمر في الرواية كان هو العمود الفقري الذي تستند عليه الأحداث والمرآة الخفية لظل الشخصيات.
العشق العذري الذي لف الرواية كان كفيلا بأن يقنع كل البشرية أن من يعيشه هو قد نال مرتبة ملائكية وهذا ما حدث مع بطلنا آتيلا الذي تخلى عن كل فوضوية حياته وعبثية أفكارة ليتحول الى نجمة تضيء بالإيمان والمحبة والنبل والعطاء..
العشق الذي هذب كل جوارح آتيلا وأقنع من حوله أن لا محال على هذه الأرض مادامت الرجولة الحقيقية متوفرة ببذخ والصدق هو الأرض الذي تمشي عليه خطى المشاعر.
حبيبته هي كانت الجسر القوي الذي يربطه بالله لأنها استطاعت أن تغير هذا الكائن السكير العبثي الى انسان أحب الله برتبة التصوف ونادرا ما يفعل العشق هذا..فآدم وحواء وضعا أسس الحب وآتيلا ختمها بهذا الوفاء المفرط لمحبوبته.
الكاتب كان حريصا على ذكر كل الأحداث السياسية التي مرت بها المنطقة والتحدث بحيادية عن التفاصيل التي مر بهذا العراق .
وبرأيي كقارئة متواضعة أرى هذا الكتاب هو توثيق حقيقي لمأساة حادثة الأنفال والتي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء .
الثورة الكوردية وبواطنها كانت حاضرة بشدة بكل الفصول ولم يجمل الكاتب أي تفصيل رغم انه من ذات القومية وتحدث بجرأة عن خيبات وانكسارات وغدر وندم وتهجير وخيانة وأمور شتى بحيث يشعر القارئ أنه في احدى الجبال وينافس الأبطال على أوجاعهم المريرة.
ومن ذكاء الكاتب انه يجعل القارئ يقع في فخ الكأس..لأن كل حدث له كأس وله ثمالته وله أوجاعه.
ما لفت انتباهي هو اختيار عبارات لفريد الدين العطار بداية كل فصل وهذه العبارة تكون هي المدخل الأساسي للأحداث التي يعيشها الأبطال بكل فصل.
مخاطبة الله وعتابه بمرارة كانت بارزة جدا وقد يفسرها كل شخص سطحي الأيمان بأنها نوع من التجاوز على الله وربما ينسبها لخانة الكفر ,لكن حالة التصوف التي لونت احداث الرواية هي من تشفع لوجود هكذا عتب شديد ومناجاة الرب بقسوة الظليمة.
رائحة الموت كانت حاضرة دوما..وجعلتها رواية ذات طابع حزين للغاية.
بطل الرواية آتيلا تخلى عن كل مباهج الدنيا ومغرياتها واختار أن يكون عاشقا وفيا نبيلا لحبيبته فاطمة .
تخلى حتى كأسه التي كانت نديمته وأنيسه في كل ظلام عمره.
فطوبى لكأس نالت رتبة القداسة وطوبى لعشق لا يكسره الموت وطوبى لرواية أعادت للعشق هيبته بعدما تشوهت ملامحة .
رواية آتيلا آخر العشاق تستحق القرآءة وتستحق الانتشار..الحق انه كتاب يصلح أن يكون صديقا يستند عليه كتف الوقت.

ميثاق كريم الركابي/العراق