خيالُ الأصابع/ جوان تتر

 

 

 

 

 

 

(تتمَّات ليل الرابع من فبراير):

 

نقراتٌ خفيفة على نوافِذِ قلقي ولا يتمكَّنُ الغدُ من إشهارِ هويته ..!! يبقى الأبيضُ مُتَشَبِّثَاً بالحُنجُرَة كلَّما لاحَ لي الصمتُ الأثير, أو كلَّما هَممتُ ركوبَ الحافلات البيضاء الصغيرة بينَ دمشق\الناصرية, الطرقاتُ جبليَّةٌ _ أو هكذا كانَ يخيَّل إلى بَصَرِ الجنديّ الذي هوَ أنا مُجرْجَرَاً عبر عرباتٍ\زنازين تشبه أنوفَ الخنازير المفطوسَة!! – الحافلاتُ الصغيرةُ البيضاء الطَّافحَة بروائحَ غرباءٍ هاجروا أسِرَّتَهُم دونمَا صوتٍ وبحسرَةٍ لا تقلّ عن حَسَراتِ الموتى يلفّون صمتَهُم كَشَراشِفَ بيضاءْ لها رائحةُ الغاز .

( البرميل ):

الجنديّ, هذا الذي يلبس سترةً قطنيَّة رخيصة ويتجوَّل باحثاً عن مياهٍ تَصلحُ لإزالَةِ أثَر الإحتِلام!!, هوَ أنا, أرنو إليَّ الآنَ متفَحِّصَاً العَرَاءَ المُحيط, لا شيءَ سوى السُّعَال مُكثَّفَاً في الأنحاءْ, قِططٌ تفترشُ الوحلَ وأطرافَ السواقي التي صنعتها سلاسلُ الدبَّاباتِ في عبورِهَا الثقيلْ, الضابِطُ لَم يكُنْ لهُ سوى أن ينعَتَني بـ ابنِ العمَّ, هذهِ القرابَة التي نَمَت فجأةً كنتُ غافِلاً عنها … أهُزُّ رأسي بينَما عقلي يردِّدُ (حاضر سيدي) ثمَّ أمضي.

في التجوالِ اختفَتِ البراميل, تلكَ التي كانوا يضعونَ فيها الماء لحيوَاناتٍ – هيَ نحنُ – , في التَجوالِ اختفى صديقي ( أبو رجب ) هائِمَاً في البحثِ عَن عبوةِ بيرة. اختَفى الصّداعُ واختفَت علبة الدواء المغشوش وعدتُ خاويَاً سوى من فكرةِ اختفاءِ البراميل!!

( أصابعُ الضَّجر):

(1)

يروقُ ليَ الآن وأنا في الثلاثين مرافقةَ قاصرَة, تكرهُ فكرة أن تكونَ أنثى لها ما لمثيلاتها من اختلافْ .. تبكي لفراق شجرةِ التوت أو لمرأى من تحبّ يغادرُ دونما بصيصِ عودة !!

يروقُ لي الآن وأنا في الثلاثين أن أستَذكِر معها أصواتَ الخُطى التي مرَّت بجانبي, أنَ أبدوَ كطفلٍ يغضَبُ برقَّةٍ ,يروقُ لي الآنَ تماماً وأنا في الثلاثين مرافقَة قاصرة على حافَّةِ الموتْ, تغضبُ كامرأةٍ ناضجةٍ وتصرخُ في وجهي: أنتَ حُرٌّ في أفكارِك ولستَ حرَّاً في ترتيب حُجرَةِ ذكرياتي!!

(2 )

وَجَعُ المفاصل أو رؤية طفلةٍ صغيرةٍ افترَشَت مصطبَةَ بيتٍ هاجرَ أصحابهُ إلى حيثُ العتمةُ غائبة وما من هديرٍ يفسِدُ أحلامَهم,

وجَعُ المفاصل أو بكاءُ الطفلةِ ذاتها على برتقالٍ يوزَّعُ ابتهاجاً للغيابْ,

وجعُ المفاصلِ أو رسائلُ تُبْعَثُ عبرَ شرايين الإلكترون … وجَعُ المفاصلِ .. وجعُ المفاصِلْ ….

 

(3)

خَرَجَ الوَلَدْ .. تقولين ..

خَرَجَ الولَدُ في إثر أمّهِ وَلَمْ يَرجعْ ..

كانَ الزمنُ فجرَاً مُقفراً كعمري القصير وكانتِ السَّماءُ تُنْزِلُ سلالِمَ لصغارٍ مثلي فقدوا أحذيتهم في درب الهروبْ ..

خَرَجَ الولَدُ من حلمي ولَم يَعُدْ .. تقولين …..

( 4 )

في هَذهِ الغابَةِ الشبحيَّة لظلالِ رسمِكِ المُثبَتِ على جبيني, أتعرَّفُ على بِساطِ يُمَدُّ إلى آخرِ خطىً تتهادى إليَّ …

في هذهِ العيونِ الغاضبة ما يمكنُ لنبيٍّ أن يَهدي بهِ أمَّة ..!!

( 5 )

للضِّحكَةِ رَمَقُهَا الأخير,

للضِّحْكَةِ عَتمَتُهَا الأخيرة,

خيطٌ رفيعٌ من الأسى يتدلَّى كمشنوق …

( 6 )

يحاولُ وجهكِ وأنتِ تستندينَ خَشَبَ الباب أن يُقنعَني بيدٍ ستنبثقُ من إحدى بلاطات الممرّ, يدٌ تحملني بسهولَةٍ لهندسَةٍ تكبرُ مثلَ قامتكِ التي تَنمو يوماً فَيوم ..

(7)

بلادَةُ الجنديّ وخموله ما كانَ يُنجي من العقاب ..

لا بدَّ أن تصبحوا رجالاً !! …

نقتلعُ الحشيشَ الملتفّ حول مستودعات الذخيرةِ كي نغدو رجالاً !!

(8)

مسحوقُ النسكافيه المسروق فجراً من حقيبَةِ الصديق الكرديّ حلٌّ جذريٌّ للقضاءِ على نوبَاتِ الحزن التي كانت تباغِتُ دونَمَا رأفة !!

(9)

أناملي تَتعرَّى مُتعَبَةً, أحِسُّ إرهاقها وهي تجهَدُ في نقلِ رؤىً تروقُ لي من خيالٍ ألتقطهُ سمعاً, خيالٌ أتَشَبَّثُ به مُحتفيَاً,

(10)

صديقي السيناريست يُعِدّ قهوةَ الشخصيَّات المتخيَّلَة في فضاءٍ مُتاحٍ لكلّ أمر,

خيالٌ أتمتَّعُ في تنضيده بتأنٍ, أسهو إلى صورٍ أُخرى تتالى من حياتي الآنِفَةِ, أينَ أنا الآن ؟ أينَ أنا بعدَ كلِّ تلك الظُّلماتِ المشاكسَةِ في تَجوالها ؟!!

(11)

حَبَّاتُ البطاطِس والبيضِ المسلوق منذُ دَهرٍ سحيق !! والرسائلُ التي كُنَّا نفترشها للجلوسِ على حَوافِّ الأَسِرَّةِ الصدئة . عباراتُ الجِنسِ على جدران نقاطِ الخَفَرِ الليليّ, أرواحٌ عتيقَةٌ لا ترأف كانَتْ تَخفقُ في كلِّ طيَّةٍ من طيَّات مناديلِ المعتلّينَ بالسلّ .