بين أيدينا المجموعة القصصية (يتحدثن عني) للقاص محمد خير عمر الصادرة عن دار بعل بدمشق في العام 2012، وهي بمئة وعشر صفحات من القطع المتوسط، وتتضمن 13 قصة قصيرة.
وهذه القصص لوحات فارقة التقطها القاص بحسه السردي ونسج منها أقصوصات وحكايا بسرد سلس ولغة جميلة أقرب للشاعرية منها في النثر.. بجمل قصيرة وترادفات أقل، لوحات نابضة بالمفارقة توثق الحياة بكل بساطتها وبكل القها.. فيها السلس والمتناقض، وفيها الرائع والخسيس، أنها تسجل الحياة كما هي باقتطاع جزء منها في صيرورة المجتمع والأشخاص والأحداث، ويرسمها بفنية كتابية وأدبية بروح الفكه والطرافة حينا وبكوميديا سوداء حينا آخر.
لدى القاص محمدخير لغة بهية ورصينة الأداء، ليس من كلمة زائدة أو حشو، أو كلمة ناقصة ولغو، أنه يتقن حرفة الكتابة بألق ويتقن السرد القصصي ويمتلك ناصيتها بدقة متدفقة بروح الروي والحكائي، يقتنص اللحظة المفارقة من الأحداث وما يماثلها من أشخاص تؤثر في الذات المقابلة كأنها جرت معه أو حوله أو يعرفها من منبتها.
مكان القصص ومنبعها المدارة في المجموعة هو قامشلو حصرا، البيئية ظاهرة هنا –وهي تحسب للقاص أنه يعرضها في سؤاتها وأوارها- كأنها ذكريات معاشة معادة كل حين، هنا هليليكي، وتلعتها وهاهو الجسر، هاهو الدغل والاحراش، هنا الأسلاك والحدود، هنا المقبرة والهضبة، هنا الحارة الغربية والسوق وسينما حداد والأفلام الهندية، كل معالم القصص تجري هنا، هنا قامشلو.. هنا هليليكي قبل 30-40 عاما مضت.
السرد في القصص إجمالا رصين ببدايته ووسطه ونهايته المزنرة بالقفلة المفتوحة حينا المفاجئة حينا اخر، ونمطية القصص عادية الهوى، الا انها تملك من الفنية السردية الكثير من الابتكار والإبداع، في رسم الشخصية وتناولها من خلال الضمائر السردية.
عناوين القصص عادية ولا تشطح بعيدا في الدلالة أو الرمزية أو الايحائية، ثمة عنوان موحٍ دالٍ يوجز النص به ويشي بمضمونه وليس أقل أو أكثر، بكلمةٍ أو كلمتين لا أكثر. هنا أيضا نشاهد الإيجاز والتكثيف وهي خلاصة النص والمعبر عنه بدقة واختصار ..
تتضمن قصص المجموعة الدهشة والتشويق والطرافة في آن، وتتنوع القصص في مضامينها، بالمفارقة والتسلية والإرشاد.. مما يدل على براعة القاص واقتناص الموقف والسير فيه.. برتم هادئ ومتوازن، انبعثت من أحداث كالذكريات والماضي البيهج، حيث يستعمل في السرد تقنية الروي بالضمير الغائب الإخباري “هو” على الاغلب.. ويستعمل ضمير المتكلم الأنا كما في عدة قصص أخرى منها، وتتجلى الفنية في قصة الحسون/ حيث يتم الروي على لسان الحسون ذاته، بضمير الأنا كسارد للحدث مع قفلة موفقة مفتوحة ولكنها دالة عالمة بموقفها.
تتناول القص الهمَّ الذاتي، الاجتماعي، الإنساني، القومي والوطني أيضا، كما في ليلة طويلة، وقصة استفزاز، وقصة الثلج، والقصة الرمزية على لسان الحسون حيث الصيادون كثر وألاعيبهم والتربص بهم والوقوع في شباكهم.. النتة.
هنا لا أريد حرق متعة القراءة ومتعة الاكتشاف والتذوق الأدبي والفني والجمالي بسرد اختصار لمجموع القصص.. ولست بصدد كل قصة وعناصرها وأحداثها وششخصياتها.. فلكل شخص وامرئ ذائقة يعتد بها وبها يقيّم بها ما رأى أو قرأ أو سمع..
وفي الختام نقول للكاتب محمدخير عمر: “هلم للمزيد من التألق والإبداع لمشواره الأدبي والفني والجمالي، بما يمتلكه من روح فكه ويحدس الطرفة من ثنيات التبر والأشواق”.
بقلم: (جواني عبدال )
نشرت هذه المادة في العدد /86/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/12/2018