منذُ اندلاع الثورة السورية برز الكاتب دارا عبد الله في الصحف العربيَّة كاتباً من الصنف الذي يملك الذكاءَ الحادّ ويكتب بلغة شفيفة بعيدة عن التعقيد السياسي واستخدام التراكيب السياسية التي تختزلُ كل ما هو إنساني.
كتابات كانت تحتضن الوضع السوري السياسي/الإنساني المأساوي ببراعة، في مقالات دارا الصحفيَّة كان القارئ على عهدٍ بكاتب يمتلك أدوات فكريَّة وحلولَ جديَّة لمشاكل السوريين والسوريين الكرد على وجه الخصوص من خلال مقالاته العديدة التي تناول فيها فكرة الكرد ووجهة نظرهم السياسية ومن ثم نقدها، هذه الكتابة التي كانت السبب الأساسي في اعتقاله لفترة زمنيَّة. قبل أيَّام وعن دار مسعى/ البحرين أصدر دارا كتابه الأول الموسوم بعنوانٍ يثيرُ غريزة القارئ الحقيقيّ ويحرِّضهُ على القراءة الوِحدَة تُدلِّلُ ضحاياها الكتاب الذي أتى على شكل نصوص متقاربة المواضيع، الفقد المتواصل والقيح الموزَّع في أقبية السجون السوريَّة والوِحدَة صديقة المعتقل، الوِحدة كقاتلة رحيمة محترفة لضحاياها، اللافت في كتابة دارا عبد الله هي ابتعادها عن التقريريَّة التي اتسمت بها كتابات المعتقلين السابقين وهم يروون تجربة الاعتقال في سجون المخابرات السوريَّة، أتت لغة دارا مشذَّبة ومختصِرة للوجع في السجن، ومن ثمّ بعد الحرية التي مُنيَ بها باتَ ذاك السجن نقطة سوداء لا تُمحى من ذاكرته، اللافت أيضاً هي عناوين النصوص التي أتت مكثَّفَة ومعبِّرة عن جو النصّ قبل الشروع في القراءة / النرجسيَّة داءُ السجين / أو / الانتفاضة والكتابة / وغيرها من العناوين التي توضِّح لنا إمكانيَّة التكهُّنِ اللذيذ لفحوى النصّ مُسبَقَاً. نصوص الكتاب تتأرجحُ بينَ صوغٍ شعريّ للحالة السوريَّة وبينَ نَثرٍ رقيق.
( يرتاح الديكتاتور إلى الجماهير، ارتياحُ النرجسي إلى البليد، هل هنالك أجمل للقنَّاص من الجثَّة الهامدة التي ينهالُ عليها برصاصاته ؟! ).
جوان تتر / عن القدس العربي