الشرق الأوسط_ Buyerpress
أنهى تقرير لوزارة الخارجية الألمانية جدل ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ودفع بوزير الداخلية المحافظ هورست زيهوفر إلى التراجع عن الفكرة، والإعلان أن ترحيل السوريين حالياً غير ممكن. وقال زيهوفر، في تصريحات لموقع «شبيغل»، إنه «في الوقت الحالي، ليس هناك أي منطقة في سوريا يمكن ترحيل السوريين إليها، حتى المجرمين منهم».
وجاءت تصريحات وزير الداخلية هذه بعد أيام من إعلانه أنه وزارته تدرس احتمال ترحيل سوريين إلى مناطق آمنة في بلادهم، بنيّة طرح المقترحات أمام قمة لوزراء داخلية الولايات الألمانية الأسبوع المقبل. وينتهي في ديسمبر (كانون الأول) المقبل حظر ترحيل السوريين، الذي أدخلته الحكومة الألمانية منذ بدء الحرب هناك، على أن يناقش الوزراء الأسبوع المقبل تمديد هذا الحظر من عدمه.
ولكن تقرير وزارة الخارجية «السنوي» حسم القرار، وبات من المؤكد أن الحظر على ترحيل السوريين سيُمدد، رغم معارضة بعض وزراء الداخلية له، خصوصاً في ولايتي بافاريا وساكسونيا، اللتين يحظى فيهما حزب البديل لألمانيا المتطرف بشعبية كبيرة. وكان التقرير السري الذي صدر في 13 من الشهر الجاري، وسُرّب لـ«شبيغل» وقناة «آر إن دي»، قد حذر من أن إعادة أي سوري إلى بلده قد يعرضه للاعتقال أو التعذيب والقتل.
وذكر التقرير الذي امتد على 28 صفحة أنه رغم توقف القتال في مناطق كثيرة في سوريا، بعد أن استعادها نظام بشار الأسد، بمساعدة روسيا وإيران، فإن هذه الحرب لم تنته. وأضاف التقرير أن الأسد «قد كرر مراراً أن هدفه استعادة كامل الأراضي السورية، لذلك فإن علينا أن نتوقع عودة العمليات الهجومية في أي وقت».
كما حذر التقرير من أن عمليات انتقام قد يتعرض لها اللاجئون «حتى وإن لم يكونوا قد مارسوا أي نشاطات معارضة للنظام»، وأشار إلى أنه قد يتم القبض عليهم لتهربهم من الخدمة العسكرية. وتحدث التقرير عن حالات معروفة لسوريين عادوا طوعاً إلى بلادهم، وتعرضوا إما للاعتقال أو للإخفاء. وأشار التقرير إلى أن «التعذيب الممنهج في السجون السورية هو سياسة» يعتمدها النظام، مضيفاً: «الشرطة ورجال الأمن والمخابرات يستخدمون التعذيب الممنهج، خصوصاً ضد المعارضين، وهذا لا يستثني الأطفال… والسوريون العائدون الذين يعتبرون معارضين يواجهون تعريض حياتهم وأعضائهم للخطر».
وأشار كذلك تقرير وزارة الخارجية إلى أن النظام بدأ بمصادرة أملاك اللاجئين لإسكان مؤيديه فيها، وأن عدداً كبيراً من اللاجئين قد يعودون ليجدوا أنه لا يمكنهم السكن في منازلهم.
وعاد جدل ترحيل اللاجئين السوريين إلى طاولة النقاشات في الأسابيع الأخيرة، مع اقتراب تصويت حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي لانتخاب زعيم جديد له في ٧ ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وظهرت دعوة مفاجئة قبل أسابيع من أنيغريت كرامب كارنباور، المرشحة لخلافة أنجيلا ميركل في زعامة الحزب ومرشحتها المفضلة، لترحيل اللاجئين السوريين المتورطين بجرائم إلى بلدهم، رغم استمرار الحرب في سوريا. وعزا البعض دعوة كرامب كارنباور، التي أيدت سياسة ميركل باستقبال اللاجئين السوريين، إلى محاولة إبعاد نفسها عن المستشارة لكسب أصوات إضافية داخل الحزب تقربها من الفوز بالزعامة.
وكان حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف قد بدأ نقاش إعادة السوريين فور دخوله البوندستاغ (البرلمان الألماني) في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي. وزار وفد من الحزب المعادي للمهاجرين والمسلمين مناطق سورية تابعة للنظام، في إطار حملة دعائية للترويج إلى أن سوريا آمنة. وبعد عودة نوابه من سوريا، دعا الحزب لإعادة السوريين إلى هناك.
ومؤخراً، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من برلين التي زارها في نهاية أغسطس (آب) الماضي، إلى المساعدة في إعادة البناء لكي يتمكن اللاجئون من العودة، مروجاً حينها لأن الحرب هناك قد انتهت، ولكن برلين رفضت مقترح بوتين، وتتمسك بالتوصل لحل سياسي قبل البدء بإعادة الإعمار. ومع ذلك، يبقى موضوع الهجرة محورياً في الحملات الانتخابية القائمة حالياً على زعامة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي. وكل المرشحين الـ3 الأبرز تطرقوا للموضوع بطريقة أو بأخرى. وبعد كرامب كارنباور، التي تشير الاستطلاعات إلى تقدمها بفارق ضئيل، خرج منافسها فريدريش ميرز، الذي يحتل المرتبة الثانية في الاستطلاعات، بتصريحات أكثر جدلاً بعد من تصريحاتها.
وشكك ميرز بجدوى بند في الدستور الألماني يحفظ حق اللجوء، وهو بند أدخل بعد هزيمة النازيين والهولوكوست، كرد فعل على الفترة السوداء تلك. وتعتبر ألمانيا الدولة الوحيدة في العالم التي تحفظ حق اللجوء في دستورها. وبعد موجة من الانتقادات لميرز، تراجع عن كلامه، وقال إنه أسيء تفسيره، وعاود تأكيده على دعمه لحق اللجوء المحفوظ في الدستور.
ولم يتمكن كذلك المرشح الثالث لزعامة الحزب يانس شبان من البقاء بعيداً عن موضوع الهجرة، وشكك قبل أيام بجدوى استمرار انضمام ألمانيا لاتفاق الأمم المتحدة بشأن الهجرة. وكانت إدارة ترمب قد سحبت الولايات المتحدة من اتفاق الهجرة، إضافة إلى المجر التي رفضت استقبال أي لاجئ سوري، والنمسا التي تستمر بتعديل قوانينها لتجعل طلب اللجوء لديها مستحيلاً.
جاء هذا في وقت أظهر فيه تقرير ارتفاع عدد طلب اللجوء في ألمانيا العام الماضي لــ50 في المائة، مقارنة بالعام الذي سبقه، العدد الأكبر منهم قدموا من أفغانستان، إضافة إلى أعداد كبيرة من تركيا. وبحسب أرقام رسمية، فقد بلغ عدد طالبي اللجوء المسجلين لدى السلطات 1.7 مليون شخص. ومن بين هؤلاء 84 ألفاً من أفغانستان، و38 ألفاً من العراق، و28 ألفاً من سوريا. ولكن الزيادة الأكبر بعدد الطلبات كانت للمواطنين الأتراك الذين ارتفعت طلبات اللجوء لديهم من 7500 إلى أكثر من 10 آلاف. وتسعى الحكومة لإدخال تعديلات على قانون اللجوء، لتمديد فترة فحص الملفات، بهدف تخفيف الضغط على المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين. ومن بين التعديلات زيادة فترة دراسة قرارات الموافقة على اللجوء من 3 سنوات إلى 5 سنوات، خصوصاً بالنسبة للاجئين الذين تقدموا بطلباتهم بين عامي 2015 و2016، وهي الفترة التي شهدت دخول مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى ألمانيا.