أدرك شيخ العشيرة جُـثمة على حين غرة اعوجاج لسانه وهو يلثغ القاف ألفاً والجيم ياءً والراء غيناً، ارتبك كثيراً من جراء هذه العادة أو هذه العاهة –وهي عطية الله- التي ولدت معه وكبر عليها، ولم يستطع أحد أن يقوّمها له أو أن يعدل فيها، والتي خلقت لديه إحساساً بالنقص – النقص في الذين هم حوله بالتأكيد وحاشا أن يكون غير ذلك -، وهذا فأل سيء، وإن لم يتخذ قراراً بتعميمه سيؤدي إلى زعزعة موقفه في الزعامة، الأولاد الأشقياء الذين سخروا من الشيخ صغيراً وآخرون عقّدوا الأمر إلى حين كبرَ الشيخ وتملك الأمر فيهم.. ورأى بان العيب فيهم والأولى أن يكونوا مثله، ولا يجوز أن يكون هو مثلهم.
بعد مداولات مع بعض خواصه عمم شيخ القبيلة تبني هذه الحروف على جميع أفراد القبيلة، أولاً التشجيع بالمكافآت والأغراء بالحظوة فانقسموا إلى ثلاث فئات، محبي الشيخ تبنوا هذا الأمر فوراً، والآخرون الذين وعدوا بالمكافأة استجابوا بعد لأي، وآخرين من الصنف الثالث البلداء تجاهلوا الأمر أو ما سموا حينها بالمتمردين تم الحظر عليهم والضغط عليهم في رزقهم، فمنعت مواشيهم من التواجد في المراعي ومن نصب خيامهم بجوارهم رضوخاً للقبول..بالأمر الواقع، ومن ثم حين لم يردعوا تم إجلاؤهم بحجج واهية مدبرة.
الصنف الأول مدح نهج هذه الحروف بأنه شيء جديد مبتكر ونقلة نوعية في الألفاظ في التقدم والحضارة، وأُعلن من على منابر المجالس والتكايا تبنيها، عُـددت مزاياها وشرعنت بنودها، ولم يكتفِ الأمر إلى هذا الحد، بل أُرسلت الوفود إلى القبائل المجاورة بأنها ستدخل التاريخ إن تبنت ذلك، وهكذا كانت الدعوة السامية والسير المبين.
وكل ما رافق ذلك من فتح وجزية كان في سبيل إقرار مخارج ألفاظ الشيخ الجليل جثمة (حفظه الله)، وهي الخطوة المرجوة للصالح العام، ووعداً بالمشاريع الكبيرة، وبالثواب وتحويل تراب الحمئة إلى تبر وجنان، وقُسم الناس إلى أخيار وأشرار، وبها ازداد سطوة ونفوذا، وباتت الناس تكسر لسانها وتحرفه تقرباً وتزلفا.
كما ألف شيخ القبيلة جـُثمة (حفظه الله) كتاباً شفوياً ليكون هداية ونذيراً، نهجاً ودستوراً كالكتاب الأخضر والأحمر والأصفر، كتاباً في الثورة البيضاء، ثم بات سلطاناً ذا مال وجاه ونفوذ، وتسلط على رقاب العباد وملكَ البلاد شرقاً وغرباً إلى يومنا هذا، وأعلن منقاداً بأنه خليفة الله في الأرض، قال معمر الأيام يغمز من طرف خفي: . 21/10/2006
– كل هذا كان من مكرمة حروف الغين والياء والألف.
وقال آخر همسا: عطية الله. أنظر كيف تم تحويلها إلى مغنم.
نشرت هذه المادة في العدد /85/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/11/2018