وعل البحر

 

 

 

وعْلُ البحر. ارفعي لحمَ قرنيه عن الأذنين.

الحقَّ، لا يَتوسَّلُ، لا يَستفسِرُ، لا يَتودَّدُ.

إنه تمثالُ الميِّتِ في حياته.

نظرتُه الأخيرةُ الشقيّةُ توحِّدُ جسمَه كعنقود حبّةٍ ناضجة.

– ما عرضتَه قبلُ؟

– خشيتُ تستأثرينَ به، فلا أجدُ من فقْده بدّاً.

 

سنواتٌ راعدةٌ مدلهمَّةٌ كصرخةٍ تنفثُ الأمواتَ أسفرَ عنها شبابي.

رأسي كان قنفذاً، والآن لماعزٍ بلهاء.

– أنتَ العصفورُ الأبُ.

– تغيَّرتْ مشيتُكِ. كيفَ انعطفتِ في ذا الدّهليز، ما خاضَهُ أحدٌ مذْ آويتُ فيه منتظراً العزلةَ المشرقة.

/2/

مررنا دون أن ألحظَ شاحنةً حمراءَ زاهية متقدّمةً من النهج الفرعيّ، قال أبي لأمّي: فليجلس في الوسط أفضلُ من قلقنا عليه وهو قريبٌ من زنادِ باب العربة. وكانَ قليلاً خشيَ أن تشعرَ بطلبه ذاك نفوراً ما منها.

القمرُ في السماء ككلِّ الأصائل، والشمسُ تنضِجُ أمخاخنا الثلاثة في صفِّ مؤخّرةِ العربة. لم ألحظ بقرتين، إحداهما محنّاة والأخرة بَلقاءُ لأنّي كنتُ نعسان ووضعتُ يدي على بطن أمّي ورأسي على فريصتها اليمنى.

شعرَ أبي بأنّ الطريقَ طالت، ولم يعرف ماذ يريد أأن تمتدَّ أم تقصر؟.

لم يعتقد أبي بأنّي بالسرعة تلك حلمتُ فرأيتُ جدّتي تسبحُ في ماءٍ ضحلٍ عذبٍ وتماسيحُ متوسّطةُ الأحجام برفقتها.

/3/

أبدو قلقاً أو كئيباً أو خائفاً أو حزيناً في رسمةِ أبي ذات الخطوط القليلة حيثُ لم يطِق أن يرسمَ محيطَ وجهي.

ملامحُ أبي غيرُ منتظمة منذ أمس وهو ينظرُ إلى جدّتي وأمي. يكادُ يرتعدُ إزاءَ خاله الأشقر الطويل.

أنا أيضاً لستُ سعيداً، ومؤتَمَرٌ من العنف، السكّينُ الكبيرةُ السوداءُ ذبحتُ بها أحداً أو أكثر لولا إنّها بلاستيكٌ ليّن.

أردتُ أن أُريَ الطفلين الشقيقين ماليَ، فأفرغتُ محفظتي من علٍ، فتدحرجت الليراتُ والأنصافُ والأرباع والأخماس على السجّاد المموَّه، فأعدتُها وساعدني أبي.

كان وجها أبي وأمّي غاضبين. أمرتُهما ألّا يكونا كذلك، فخرجت أمّي. قالَ أبي: إنّ الطقسَ معتدلٌ. قالت أمي: إنه ساخنٌ لاهب. و تفرّقا ، وجاءت إليَّ جدّتي وحدها.

جلستُ ألهو لقاءَ الشاشة. آلمَ أبي فروةَ رأسي بأصابعَ ثلاثة. غلبتُ الشقيقين.

وسّدَ لي عضلةَ فخذه اليسرى، فقلتُ له: حرّك أصبعاً من قدمك. لم يفهمني أبي، ولمّا رأى الذبابةَ تجثمُ على أصبعه فهمني وحمدني.

استحمّت أمي. جدّتي جلست بصوتٍ مرتفعٍ مع أختها وزوجةِ أخيها، واستلقى أبي في حجرةٍ من البناء الغرانيتيّ القديم حيثُ كان جدّه يحيا هناك سالفاً، وكرهَ قليلاً ذبابةً نزلت فوق ركبته اليسرى.

بمهارةِ بطلِ كاراتيه هوى بزنبورٍ حائمٍ على مائدة الإفطار بالباحة. افتخرتُ به، ولم أشعر بقلبه نابضاً سريعاً في المهمّة التي أوكلها لنفسه أمامَ خاله والعائلة.

مقداد خليل/ شاعر كردي سوري