Buyer
و أنا أبحث عن عمل في معمعة الحياة، صادفت صديقاً وهو جالس على الرصيف قبالة باب منزله صباحا، يحتسي القهوة ويدخن فيُخرج الدخان من كل ثقوب جسده. قال بتثاقل:
– أتريد العمل؟
– نعم، بكل تأكيد.
– إذاً، نذهب غداً للمقبرة ونتّفق مع حارسها في حفر القبور، العمل صعب قليلا لكن، لا بأس به.
وافقت دون نقاش، فزوجتي وأولادي في المنزل كعصافير في عشّ، فاههم مفتوح طوال النهار ولابد من سدّ رمقهم.
صباح اليوم التالي وصلنا للمقبرة، فجلسنا مع الحارس المُلتحي الذي قال وسعاله كاد أن توقظ الأموات:
– اليوم توفي أبو محمود، وسيُدفن ظهراً وستحفرون قبره هناك تحت شجرة البلوط، أترونها؟
أجاب صديقي دون أن يلتفت:
– نعم. شاهدتها.
ناولنا الرفش وأمرَنا بحفر القبر كما تنصّ الشريعة الاسلامية الحنيفة.
حفرنا القبر وجلسنا ننتظر جنازة الميت لتأتي.
قال صديقي:
– ابو محمود هذا رجل غنيّ، سنحمل النعش عنهم بين شواهد القبور ربما يتكرمون علينا ببعض الدراهم، ما رأيك؟
هززت راسي كالحمار، فلا كلام لي ولا هدف سوى المال. وافقت على طلبه دون تفكير.
وصل النعش مع حشد من وجهاء البلدة لأطراف المقبرة فركضنا باتجاهه وصديقي يضرب نفسه وينوح ويولول.
حملنا مقدمة النعش متجهين للقبر البعيد، متجنّبين شواهد القبور فالميت ثقيل.
بين الوزن الثقيل و تضاريس المقبرة وتَعَبَنا بعد الحفر، علقت ركبتي بين قبرين فسقط النعش من يدنا وارتطم رأس أبو محمود بإحدى الشواهد، فصدر صوت أشبه بصوت ارتطام رأس كبشين متناطحين.
تحركت الجثة وأخرج أبو محمود راسه من داخل الكفن قائلا:
– أين أنا؟
ارتطمت أقدام الرجال بظهورهم وهم يهرولون هربا، أغمي على صديقي وكأنه من أهل الكهف.
صارت الحادثة على كل لسان وكافئنا ابنه البكر بدراهم كثيرة وصرنا ميسوري الحال والحمد لله.
دارت الأيام و انتهت دراهمنا فذهبنا للمقبرة لحمل نعش آخر علّ الميت يستفيق من موته فيكافئنا بالدراهم.
حملنا نعشاً واسقطناه أرضا عمداً، كان المتوفي امرأة، كُشف المستور عنها ولم تستفق، فاجتمع أولادها و أقربائها علينا وأشبعونا ضرباً. غدونا كسجادة نُفِضتْ بعصاً.
ومنذ ذلك اليوم ، لم نزر المقبرة وكلما مات أحدهم، نخرج من البلدة ولا نعود إلا في المساء.
نشرت هذه المادة في العدد /84/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/10/2018