من ذاكرة عامودا.. الجامع الكبير.. رائحة الأجداد وعبق الماضي

بريندار عبدو

 

تعدّ مدينة عامودا من أقدم مدن محافظة الحسكة ويعود تاريخها المثبت في ذاكرة المعمّرين إلى أكثر من قرنين، وهناك معمّرون يذكون أسماء آبائهم حتى السابع والثامن, وربّما ذهبوا أبعد من ذلك حتى التاسع والعاشر.

ومن معالم عامودا تلتها الشهيرة Girê Şermola وبقايا سينما شهرزاد ومقبرتها التي تضمّ رفات العشرات من السياسيين والمثقفين ورجال الدين الذين أثـْروا المدينة بخدماتهم الجليلة. وكذلك جامعها الكبير المعروف في المنطقة بأسرها.

الجامع الكبير في عامودا والذي يتوسط المدينة تقريبا, كان يتبع له في بدايات القرن الماضي وحتى منتصف الستينيات منه مدرسة دينية يتوافد إليها الطلبة من جميع مناطق كردستان، حيث كان يديرها العالم ملا عبيد الله هيزاني، وتخرج منها العشرات في مجالات مختلفة كالفقه والشريعة وعلوم التفسير والنحو، ومنهم المرحوم العالم ملا عبد الحليم إسماعيل الذي صبّ جلّ اهتمامه على المذاهب الفقهية الإسلامية الأربعة، وكذلك الشاعر الكردي جكر خوين والملا عبد اللطيف إبراهيم، والملا شيخموس قرقاتي.

يعتبر الجامع الكبير أقدم جامع في عامودا والمنطقة برمّتها، وهو عنوان بارز لسكانها, وله مئذنة عالية يصل ارتفاعها إلى  35 مترا وقبة خضراء، وقد تمّ بنائه منذ أكثر من 200عام على يد عائلة “ملا آغا الدقوري”.

 

سعد الدين سيدا ملا عبد اللطيف، شخصيّة دينيّة واجتماعيّة معروفة وهو إمام وخطيب سابق للجامع يقول:” ذكر الشيخ محمود آلوسي مفتي بغداد في رحلته لمدينة اسطنبول قبل 170 عام أنه قضى ليلةً في عامودا، حينها كان الملا سليمان إماماً للجامع، وأعتقد أنه كان يوجد في عامودا حينها حوالي  70 منزلا، وكان موقع  المسجد عاليا، وقبل 130 سنة حوّل ابراهيم آغا المسجد الطينيّ إلى حجريّ وجاء بعمال البناء من مدينة ماردين، كانت مساحة المسجد وقتها حوالي 15 متر طولا و7 أمتار عرضاً، وكان للمسجد حُجرتين في الشرق والغرب، ويتوسّطهما غرفة، وكان باب المسجد في تلك الغرفة”.

ويضيف الملا عبد اللطيف:” جاء والدي (سيدا ملا عبد اللطيف ملا ابراهيم) في عام 1935 وأعاد بناء المسجد، حيث غدا طوله وقتها 25 متراً وبعرض 10 أمتار، وأقام له ستة عواميد، بينما بقي سقفه من الطين، وبقي على هذه الحال حتى عام 1970، حينما قرر والدي مرة أخرى إعادة بناء الجامع لأن سقفه الطيني كان يتسرب منه الماء، وأصبح طوله بعد الترميم والبناء 26 متراً ونصف والعرض 18 مترا. وبقي المسجد في توسّع مستمرّ وتطرأ عليه التغيرات، حتى وصل للسيد سعد الدين سيدا ملا عبد اللطيف الذي بنى بدوره غرفة أخرى، وفي عام 1995 تم بناء طابق ثاني وأصبح معهداً لتحفيظ القران الكريم بعد الحصول على الرخصة من الحكومة السورية وذلك في الجهة الشمالية منه.

ويتابع: “اشترينا عدة قطع أرض حول المسجد لنبني معهداً شرعيا، لكن الحكومة السورية لم تعطنا الرخصة، ولكن معهد تحفيظ القران كان مستمرا في العمل طيلة عدة سنوات”.

 ويوضح أن حجر أساس المئذنة وضع في العام 1948 وأنهم أرادوا بنائه من الحجر لكن مهرة البناء من مدينة (مديات) أخبروهم أنه لا يمكن بنائها من الحجر وقالوا أن الأحجار التي أحضرتموها لا تصلح لذلك، وبنيتها كاملة من الاسمنت، عام 1978.

على عهد ابراهيم آغا  كان إمام الجامع الملا خليل هساري والد ملا علي توبز من قرية الشاعر جكر خوين وتوفي عام 1918، وجاء بعده ملا عبيد الله الذي كان مهاجرا قادما للمدينة بسبب الحرب العالمية الاولى، وبقي إماماً حتى عام 1929، وبعدها أصبح سيدا ملا عبد اللطيف ملا ابراهيم والد سعد الدين سيدا إمام الجامع، وبعد عشرات السنين أصبح ابنه سعد الدين سيدا ملا عبد اللطيف إماماً  للجامع، أما الآن فإمام الجامع هو عبد الباقي سيدا نجل سعد الدين وحفيد سيدا ملا عبد اللطيف ملا ابراهيم.

بهجت سليمان من مواطني مدينة عامودا يصف الجامع الكبير بأهم معْلَم كونه مواظب على ارتياده منذ صغره وحتى اليوم، وأسعد لحظاته هي تلك التي يقضيها في الجامع ويلتقي الأحبّة.

يؤكد سليمان أن عامودا والجامع الكبير توأمان، فحين يُذكر اسم عامودا يتبادر للذهن  صورة الجامع الكبير.

ينشط معهد تحفيظ القران الكريم في الجامع صيفاً بعد انتهاء الدوام في المدارس وقد وصل عدد الطلاب لهذا العام بحسب الملا سعد الدين سيدا إلى 500 طالب وطالبة، حيث يتم تعليمهم قراءة القرآن الكريم والصلاة والآداب، كما ويوجد دورات للنساء لتعليم تجويد القرآن.

لازال الجامع الكبير يتمتّع بالأهمية ذاتها لدى الاهالي رغم بناء العديد من المساجد في السنوات الأخيرة، فله مكانة خاصة لدى أهالي عامودا كونه أقدم جامع في عامودا وتفوح من أحجاره وزواياه رائحة الأجداد وعبق الماضي، على حدّ وصف بعض الأهالي.

نشر هذا التقرير في العدد /81/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/7/2018