أزمة مياه الشرب في مقاطعة الجزيرة… الأسباب وأنصاف الحلول.!

 

– بعض الأهالي من ضعاف النفوس يلجؤون إلى التلاعب بـ”السِّكِرْ” وإغلاقه أو تحويله إلى بيوتهم وحاراتهم.

– ليس لدينا سوى ورشة واحدة بستة عمال لجميع مدينة قامشلو. والضابطة أيضاً ليس فيها سوى ثلاثة أشخاص.

– هناك خطّ رئيسي على الشارع السياحيّ, تم الحفر وسحب خط فرعي منه بقوة 2 إنج إلى أحد البيوت.

– إحدى أسباب شحّ المياه طول المسافة كما وحصول بعض التجاوزات على طول الخط.

– لانقطاع الكهرباء الأثر السلبيّ وانقطاعها لثانية واحدة يؤدي إلى إفراغ الشبكة من المياه تماماً.

تحقيق: قـادر عكيــد

 

يعتبر الماء أحد الموارد الطبيعيّة المتجدّدة، وهو من العناصر الأساسيّة للحياة، حيثُ يحتلُّ 70.9% من مساحة سطح الأرضِ. ويشكل ما يقارب ثلثي وزن الإنسان، وعند نقصانها في جسم الإنسان فإنّه يشعر بالعطش؛ ومن مخاطرها أيضاً حدوث الجفاف، والدوار، والغثيان.

رغم أهمية الماء وضرورته الحياتيّة إلا أنه لا تزال بعض الأحياء في بعض مدن مقاطعة الجزيرة مثل عامودا, قامشلو, والحسكة تعاني من شحّ في مياه الشرب.

تعتمد مدينة قامشلو على ثلاث محطات رئيسية تغذّي مدينة قامشلو بمياه الشرب هي الهلاليّة وجقجق والعويجة إضافة لمحطة السفان الداعمة. مع ذلك تبقى مشكلة انقطاع المياه وشحّها الشغل الشاغل للمواطنين الذين يضطرون أحيانا لقضاء ليالي بأكملها في انتظار وصول هذا الضيف ..الماء!

المواطنة ليلى محمد وهي ربّة منزل وأم لخمسة أطفال من حي قناة السويس قالت إن انقطاع الماء في الحيّ مستمرّ وقد يطول ثلاثة أيام أحياناً, إضافة لانقطاع الكهرباء الذي يزيد من تفاقم المشكلة.

المشكلة قائمة

روناك أوسكان مديرة دائرة مياه قامشلو, أكّدت على الأمر, وأوضحت أن أكثر الأحياء المتضرّرة من المياه في المنطقة الشرقيّة هي بالفعل قناة السويس, كونه في آخر المدينة, وقالت:” يطول انقطاع المياه عنهم أياماً, لذا فأننا اعتمدنا على مشروع “فصل شبكة” وتقسيم المدينة إلى قسمين؛ شرقي وغربيّ, وفي حال تنفيذ المشروع فأن المنطقة الشرقية ستتخلص من هذه الأزمة. وكذلك الأمر بالنسبة للمنطقة الغربية, إذ سنقوم بتوزيع المياه بالتساوي. لكن تنفيذ المشروع قد يطول حتى الشتاء القادم بسبب الأزمة التي نمرّ بها حالياً”.

أما المواطن المسّن قدري العلي من الحي نفسه فقد أكد أنهم لم يروا نقطة ماء من الصنابير منذ عشرة أيام, مما اضطرهم إلى نقل المياه بطرق بدائيّة عن طريق البيدونات من الأحياء الأخرى المجاورة ولمسافات طويلة.

وعن انقطاع الماء في الحسكة فقد ذهبت سوزدار أحمد مديرة دائرة المياه في الحسكة إلى الأمر نفسه وقالت أنه لا توجد مصادر مياه ضمن مدينة الحسكة إنما تأتي إليها من آبار علوك في مدينة رأس العين من مسافة ٨٠ كم وأنه للضرورة تم وضع خطة ممنهجة في توزيع المياه ضمن أحياء المدينة على ثلاث وجبات، أي كل ثلاثة أيام في حال تم ملئ الخزانات ضمن المدينة.

وعن موضوع شح المياه أو تأخيرها فقد أرجأت السبب إلى طول المسافة كما وحصول بعض التجاوزات على طول الخط رغم متابعة ورشات المراقبة والمتابعة للأمر على حد وصفها.

أمّا فارس نايف من سكان السكن الشبابي في الحسكة يشكو منذ عامين من قلة المياه وضعف ضخها في منطقتهم. ويبيّن أن ملئ خزان٥٠٠ لتر يحتاج إلى وقت طويل من ثماني إلى عشرة ساعات في المنطقة الواقعة بين النشوة وغويران بالقرب من الملعب البلدي. وضعف المياه قد يؤدي إلى حرمان بعض العائلات من المياه بشكل كامل.

في حين يذهب المواطن عبد الرزاق سيد علو في ملابسات المشكلة إلى أبعد من ذلك قائلاً:” من المعلوم أن مواطننا يشتكي من موضوع المياه ونحن نمر بمرحلة صعبة، وأن أية ثورة تفرز الكثير من المشاكل ويجب التأقلم مع متطلبات المرحلة ومفرزاتها، ومن الطبيعي أن تطفو بعض المشاكل على السطح كالغلاء والكهرباء والمياه وغيرها”.

مشيراً إلى أولوياتٍ مثل الدفاع والتحرير، وأن العدو يحاربنا على كافة المستويات و”مشكلة المياه تعود إلى قلة منسوب نهر الفرات والخابور نتيجة فعل متعمّد لكسر إرادة الشعب والضغط عليه”. واستبعد أن تكون الإدارة الذاتية الديمقراطية في المقاطعة  هي المسؤولة عن هذا الواقع الأليم.

تصرّفات فرديّة غير أخلاقية

نقطة مهمّة لم يأت أحد على ذكرها أو ربّما لا يعلمها الكثيرون وهو أن بعض الأهالي من ضعاف النفوس يلجؤون إلى التلاعب بـ”السِّكِرْ” وإغلاقه أو تحويله إلى بيوتهم وحاراتهم, حسبما صرّحت به روناك أوسكان، وتابعت:” للأسف أعدادها كثيرة, ولا نستطيع كدائرة مياه حصرها ومراقبتها أو وضع عمّال مراقبين لها, كون الدائرة بالأساس تفتقر إلى الكوادر، وكون هذه  “السِّكِرْات” فرعيّة وليست أساسيّة, ويوجد المئات منها في مدينة قامشلو، وهي موجودة ضمن “راگارات” الشوارع”.

 

منوّهة أنهم يقومون بمراقبة الرئيسيّة فقط, وتغييرها كل يوم من حيّ إلى حيّ، أما الفرعية, والموجودة في الشوارع فأن معظمها غير ظاهرة كون الشوارع مزفّتة, لكن بعضها تكون غير مزفّتة, أو صدأت مفاتيحها, أو أنهم غفلوا عنها كدائرة مياه, فيأتي مواطن ويستغل هذه الحالة.

وتتأسف أوسكان لوجود هذه الظاهرة بالقول:” هو خطأ، وأسف كبير أن يقوم مواطنونا بهذه التصرّفات, يجب أن يتخلصوا من ثقافة الأنانية تلك, وليعلم المواطن الذي يحوّل الماء من حارة محتاجة إلى حارته دوما إنما يقوم بعمل غير أخلاقي, لأن هناك أطفال وكبار سن وورود بحاجة إلى الماء”.  

لكن المديرية تسعى حالياً – حسب أوسكان – لتشكيل لجنة من قسم الشبكات لحصر هذه المشكلة وتحديد الشبكات التي لا يوجد فيها ماء.

جشع، استغلال وظيفي، وأنانيّات

وتشير أوسكان إلى وجود أشخاص متفرّغين لهذا الأمر:” تصوّروا أن هناك أشخاص يراقبون العامل المختصّ بتحويل “السِّكِرْ” الرئيسي من حيّ إلى آخر, وبمجرد انصرافه يقومون بتحويل “السِّكِرْ” مرّة أخرى إلى حارتهم دون أي  رادع أو وازع أخلاقيّ”.

كان هناك “سِّكِرْ” في حي حلكو وهو رئيسيّ, قادم من الهلالية إلى المشفى الوطني, وبقي يغذي المشفى فقط لأكثر من سنة دون أن يصل حيّ حلكو نقطة ماء من هذا الخط, والسبب أن المفتاح كان مع شخص, وكان هذا الشخص يستغل الأمر ويقوم بتحويل الخط فقط إلى المشفى والمطار, وقد قمنا قبل فترة بكسر القفل وإيصال الماء إلى حيّ حلكو الآن.

عبدالسلام حسو رئيس كومين الشهيد محي الدين في قامشلو شارع السياحي أوضح أنه  هناك خطّ رئيسي على الشارع السياحيّ, تم الحفر وسحب خط فرعي منه بقوة 2 إنج إلى أحد البيوت, علماً أن ضخ الخط هو 4 إنج فقط.

وأضاف:” الخط تمّ سحبه بطريقة قانونية وبموجب موافقة دائرة المياه, ولكن أتسائل كيف تتم الموافقة على منح مواطن خ بقوة 2 إنج بينما هناك مواطنون يعانون من مشكلة نقص المياه والعطش في الشارع الآخر، ولم هذه الأنانيّة من بعض المواطنين”.

مؤكّداً أن المواطنون متذمّرون من الأمر وطلبوا تسوية الأمر في دائرة المياه, وإلا فأن الحيّ بأكمله سيذهب وسيتجمع أمام الدائرة للمطالبة بحل هذه المشكلة.

 

ضبط مخالفات ومناشدات

وبيّنت أوسكان أنهم يسعون حاليا جاهدين لضبط مخالفات هدر الماء وتوعية المواطنين لهذه المسألة المهمّة, التي يجهلها لكثير من الأهالي.

وناشدت المواطنين عموماً  التقليل من هدر المياه, وأن يضعوا في حسبانهم أن ما يهدر من ماء على غسل السيارة أو رش الشارع يكفي لقضاء حاجة حيّ كامل من الشرب, بينهم أطفال وكبار سنّ, وأن يضعوا أنفسهم دوماً في موقف المواطن الذي لا تصله المياه.

في حين دعا سيّد علو الجميع لتحمل مسؤولياتهم والتقليل من استهلاك المياه خاصة من يسكنون بالقرب من المصدر.

أما كلبهار زياد مستو الإدارية في قسم ضابطة مخالفات المياه في عامودا فقد أوضحت أنه وحفاظا على عدم هدر المياه لديهم جولات في جميع الأحياء وكل من يخالف التعليمات ولا يلتزم بالقرارات يعرّض نفسه للمسائلة القانونية والمادية.

مؤكّدة أنهم خالفوا حتى الآن خمسة مواطنين بسبب غسل سياراتهم في المنزل، كما خالفوا عدة منازل بقيمة ثلاثة آلاف ليرة بعد عدّة إنذارات، وفي حين تكرار المخالفة تضاعف قيمة المخالفة.

ورأت سوزدار أحمد مديرة دائرة المياه في الحسكة أن هنالك مسؤولية أخلاقية ملقاة على عاتق المواطنين المقيمين والقريبين من بدايات الخطوط المائية للعمل على ترشيد استهلاك المياه حتى يتسنى للبعيدين من الاستفادة منها أيضا وعدم حرمانهم.

 

أنصاف الحلول

ترى أوسكان أن لانقطاع الكهرباء الأثر السلبيّ البالغ في هذه الأزمة, وأن انقطاع الكهرباء لثانية واحدة يؤدي إلى إفراغ الشبكة من المياه تماماً, وأن هذه الشبكة  بحاجة إلى ساعة كاملة حتى تقلع من جديد وتعود المياه مرة أخرى. والحل – حسبها – هو  العمل الآن على تأمين الكهرباء كامل اليوم للمحطات, والمولدات التي لديهم لا تتحمّل هذا الحمل, ولكنهم يعملون على حل المشكلة.

 ومن أنصاف الحلول لدى أوسكان أيضاً صهريج الماء الذي لا يتوقف على مدار 24 ساعة  في توزيع الماء على المواطنين مجانا دون مقابل. أما بالنسبة للصهاريج التي توزع الماء بمقابل أيضاً فسيتم تحديد سعر البرميل الواحد كي لا يتحكّموا في الأسعار, ويستغلوا المواطنين العطاش.

إضافة لذلك يجب زيادة الخبرات, والكوادر, والورشات, لتلافي “الكسورات” الحاصلة في خطوط المياه لأن “الكسورات” هي السبب الرئيسي في هدر المياه وتساهم في تأجيج هذه الأزمة.

ونحن كدائرة للأسف معاناتنا الأولى والرئيسيّة هي الكوادر, فليس لدينا سوى ورشة واحدة بستة عمال لجميع مدينة قامشلو. وحتى ضابطة المخالفات ليس فيها سوى ثلاثة أشخاص لعموم مدينة قامشلو,  فكيف سنستطيع ضبط الأمور وتلافي كل هذا الخلل..!؟

بينما توضح سوزدا أحمد مشكلة المياه في الحسكة وكيف أن المياه تسير في خطوط من الضاحية فالصالحية ثم العزيزية وأخيرا تنتهي في منطقة الطلائع فتقل كمية المياه بالضرورة ، ولمعالجة هذه المشكلة تقول:” يجب فصل الخطوط عن بعضها، وقد قمنا فعلا بهذا المشروع، وبدأنا بفصل خط الصالحية عن المفتي والعمل في مراحله الأخيرة، والذي سيؤدي لتحسين واقع المياه في المنطقتين المذكورتين”.  

يوماً بعد يوم تتفاقم المشكلة, ومعها يحاول القائمون على الأمر حصرها وإيجاد الحلول المناسبة لها, لكن هل تكفي المحاولة دون إجراءات جادّة تستأصل الأسباب..!؟ وحتى ذلك الوقت سيبقى المواطن عطشاً يستجدي قطرة الماء من الوقت ومن صنابير جفت حلوقها.   

نشرت هذه المادة في العدد /81/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/7/2018