خاص_Buyer
– أشدّ ما يؤلمني في هذه المهنة نظرات الازدراء من المجتمع, فهم لا يعرفون أن القذيفة التي سقطت على منزلي شلّت يدي اليمنى.
– أم علي: التسوّل مهنة شريفة تعتمد على جهودنا في البحث والسؤال والتجوال, وأتعرض يوميّا للكثير من المضايقات.
– بركات: هيئة الداخلية لا تمنع هذه الظاهرة بالقمع والشدة وهناك مؤسسات مختصّة تتابع هذه الأمور.
بريندار عبدو – عامودا
تفشّت في المجتمع الكرديّ عامّة وفي عامودا خاصّة ظاهرة التسوّل، وازداد معها عدد المتسولين، إذ لا يكاد يمر يوم إلا ويلتقي المواطنين وأصحاب المحلات وجوهاً جديدة لأناس احترفوا التسوّل، بل واتخذوه مهنة تدرّ عليهم أرباحا مغرية تغنيهم عن كدحٍ وتعبٍ ما اعتادوا عليه.
يدخل المتسوّل الغريب عن المدينة محلاً مادّاً يده بذلٍّ طلبا لدريهمات قليلة يجود بها صاحب المحل أو أحد زبائنه عليه وهو في ذلك يختصر الوقت والجهد في الحصول على المال.
“عندما يدخل المتسوّل المحل يحرج الزبائن.. هي ظاهرة قديمة لكنها ازداد وتفشّت في الآونة الاخيرة حتى أصبحت مهنة”. يقول “أنس خوجة” وهو صاحب محل في سوق الفاتورة.
ويورد “خوجة” معلومات عن بعض المتسولين الذين ينتشرون في شوارع عامودا منذ الصباح الباكر قادمين من المدن والقرى القريبة وحول امكاناتهم المادية الجيدة جدا، وطريقة اجتماعهم على شكل مجموعات قبل أن يبدؤا في الانتشار ليجتمعوا ثانية عند الظهيرة.
ويقترح “خوجة” الحل الذي يكمن حسب وصفه بمنعهم من قبل الجهات المعنية من المجيء إلى المدينة لأن أعدادهم باتت في اضطراد.
إن أعمار ممتهني التسوّل مختلفة فمنهم الاطفال والنساء والرجال وكبار السن ، إلا أن هدفهم واحد وهو جمع أكبر قدر ممكن من المال وفي أقل وقت.
يلجأ المتسوّلون في بحثهم إلى خيم العزاء والأعراس والأسواق والتجمعات الأخرى، كما ويلجؤون في طريقة استدرار العطف والشفقة إلى أساليب تقنع المواطن، فمنهم من يرتدي ملابسه بالية ومقطّعة، ومنهم من يجوب الشوارع ومعه طفل صغير، وهو يطلب المال لطفله المريض على حدّ زعمه، كما تطلب بعض المتسوّلات المال لأطفالهن اليتامى الذين فقدوا آبائهم في حوادث “محزنة” ترويها الأمّهات المتسوّلات.
المتسوّل الخمسيني أبو حسن “اسم مستعار” والذي أجبرته ظروف الحرب والتشرّد على التسوّل, رفض الكشف عن اسمه الحقيقي أو تصويره أو كتابة أي شيء يوحي بشخصيته الحقيقيّة, وقال: “كنت قبل هذه الثورة معزّزاً ومكرّما في بيتي, كانت لي عائلة وأطفال لكن معظمهم بنات, وكنت أجمع قوت يومي من عملي كعتّال في الأسواق, لكن الحرب أتت على كل شيء، سقطت قذيفة على منزلي واستشهدت زوجتي التي كانت تساعدني في عملها في التطريز, وبقيت وحيدا مع بناتي الثلاثة, أكبرهن “12” سنة، أتنقل بين مدن عامودا وقامشلي والدرباسية أؤمن لهم قوت يومهم من طعام “.
وأضاف:” أشدّ ما يؤلمني في هذه المهنة هي نظرات الازدراء من المجتمع, وكأنهم يقولون لي لم لا تعمل وأنت بكامل قواك العضلية, فهم لا يعرفون أن القذيفة التي سقطت على منزلي شلّت يدي اليمنى أيضاً بعد عمل جراحي”.
“هجار كنرش” صاحب محل ومكتبة في عامودا يرى أنه من الضرورة التفريق بين الفقر والتسوّل ، فالفقر بالنسبة له أمر طبيعي وليس بالأمر العيب، ويبذل الانسان خالص جهده للتخلص منه. أما التسول فهي ظاهرة سيئة، بل هي نوع من التواكل لأن الشخص يعتمد فيه على جهد غيره.
ويتأسّف “كنرش” على الشباب الذي يمدّ يده طلبا للمال، بينما بمقدوره العمل وكسب لقمة عيشه بكرامة، ومهما كانت المهنة غير جيّدة إلا أنها تبقى أفضل وأشرف بكثير من التسوّل.
ويصف “كنرش” التسوّل بالمرض والتجارة وهي موجودة في معظم المجتمعات وأهم أسبابه هي الظروف المعيشيّة الصعبة والحروب، وبسبب ذلك أصبح التسول مرتبطاً بنفسية الكثير منهم حتى انطبق عليهم المثل الدارج ” العادة التي في البدن لا يغيّرها إلا الكفن” أيّ أنها أصبحت لدى البعض عادة متوارثة.
ويتابع “كنرش”: في منطقتنا فرص عمل كثيرة وهي غنية بالخيرات، لذلك على المتسول العمل بدلا من مدّ الأيادي”. منوّهاً في الوقت عينه إلى ضرورة إعادة تأهيل هؤلاء المتسولين الذي بمقدورهم العمل من مختلف الاعمار من قبل الجهات المعنية، وإيجاد الحلول لهذه المشكلة وهذا يأتي بالتعاون لاقتلاع جذور أسباب التسول والحد من هذه الظاهرة غير الحضاريّة.
أما المواطنة “ليلى أحمد” فتقول أن المتسولين أيضاً غيّروا طريقة تسوّلهم التي كانت سابقاً الاكتفاء بأي نوع من الإعانة والمساعدة من قبل المواطنين، سواء أكانت مواد غذائيّة أو منزلية أو مؤونة كالبرغل والسكر، أو حتى ملابس أطفال، أما الآن فجميعهم يطلب المال فقط ويستهزؤون لتلك المواد. متمنية أن يتم وضع حد للتسوّل وإيجاد الحلول المناسبة له.
المتسولة “أم علي” كما تحب أن تكنّى لا ترى في هذه المهنة أي حرج أو منقصة, بل العكس فهي مهنة شريفة تعتمد على جهودها في البحث والسؤال والتجوال, وتتعرض يوميّا للكثير من المضايقات من قبل أناس لا يمتلكون ذرة من الانسانيّة على حدّ وصفها.
عن الخطوات المتبعة من قبل الإدارة الذاتية لوضع الحلول المناسبة لهذه الظاهرة الغريبة والمتفشية في المجتمع الكرديّ والإجراءات الامنية بخصوص هؤلاء الأشخاص أوضح كنعان بركات الرئيس المشترك لهيئة الداخلية في إقليم الجزيرة:” أن هذه الظاهرة غير حضارية في مجتمعنا وهناك مؤسسات خاصة في الإدارة الذاتية مهمتها متابعة هذه المواضيع، وأن أبواب هيئاتنا مفتوحة أمام المحتاجين والفقراء أولها هيئة العمل والشؤون الاجتماعية التي تساعد الفقراء والمحتاجين وتحلّ مشاكلهم ومعاناتهم. كما ويجب أن يتم التنسيق مع المنظمات الانسانية والجمعيات التي نشأت في روجآفا والتي توزع المساعدات على الفقراء والمحتاجين للحدّ من هذه الظاهرة التي هي موجودة في معظم دول العالم”.
وأكد بركات أن هيئة الداخلية تتابع هذه الظاهرة المتفشّية وأن أهم أسباب ازدياد هذه الظاهرة هو الوضع السياسي في سوريا عموما حيث أعداد الوافدين إلى مدن وبلدات ومناطق روجآفا في ازدياد، ومن المحتمل أن يكون الوضع المادي للكثير منهم صعباً وحرجاً فيلجؤون إلى هذا التصرف.
مشيراً إلى أن هيئة الداخلية لا تمنع هذه الظاهرة بالقمع والشدة لأنه هناك مؤسسات مختصّة في الإدارة الذاتية تتابع هذه الأمور وتأسست في السنة الماضية لجنة من هيئة المرأة في اقليم الجزيرة وهيئة العمل وهيئة حقوق الانسان وبمساعدة هيئة الداخلية وتمكنت من تقليل هذه الظاهرة. وسيكون لنا نقاش مع الهيئات المختصة بهذه الأمور وسننسّق سوياً ونضع خطة وجدول عمل من أجل تقليل هذه الظاهرة إلى حد كبير لنساهم سوياً في التخلص منها بشكل نهائي ومنعها من الانتشار مجددا في المجتمع.
وقال كنعان بركات الرئيس المشترك لهيئة الداخلية في ختام حديثه: “هذه الظاهرة موجودة في معظم دول العالم، وأصبح البعض يستغل التسوّل ويعتبره مهنة أو تجارة، وبالطبع يوجد بعض الفقراء والمساكين بين المتسولين، ونحن نراقب هذه الظاهرة عن كثب، خصوصا من الناحية الأمنية ونبذل قصارى جهودنا كي لا تزداد نسبة التسول، وتغدو ظاهرة “.
اليد العاملة أفضل من اليد التي لا تعمل، لكن مع ازدياد عدد المتسولين ازدادت أعداد الأيادي التي لا تعمل، وأصبحت بعض الأيادي تعتبر التسول مهنة مربحة بينما البعض الآخر بالنسبة لها هي عادة متوارثة، وبين هاتين اليدين تاهت يد الفقير، وراح المواطن الذي لم يعد يميّز بين هذه الأيادي حينما تمتدّ يضع يده في جيبه غير مكترث لليد الممتدّة أمامه.
نشرت هذه المادة في العدد /80/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/7/2018