«طريق الغرام» للكاتبة المغربية ربيعة ريحان

 

 

 

 

 

 

 

التمثل الواعي للحدث: الرواية المغربية ككل ، تطرح أكثر من سؤال في الأدبين الرجالي والنساء معا، عمقها الفكري والثقافي، 8تقنيتها وحبكتها الفنية، تجربتها ومصادرها الثقافية والاجتماعية وأخيرا حجمها كما وكيفا ، وهي أسئلة تترك مساحات فارغة للتفكير والمناولة في الحيز النسائي كما في الحيز الرجالي ايضا.
فالكتابة الروائية النسائية في المغرب ليست مقطوعة الجذور أو بدأت من الصفر، فقد أصدرت الكاتبة الكبيرة خناثة بنونة أول إصدار روائي نسائي مغربي بمواصفات الرواية الشرقية التي عاصرتها، ولم تكن ضحلة أو مترددة تنتظر نضوجا مبكرا لتعلن عن نفسها، بل كانت رواية تسير إبداعيا جنبا إلى جنب مع روايات الكاتب المغربي الكبير عبد الكريم غلاب ، فـ»الغد والغضب» تقف بندية مع «سبعة أبواب» أو «دفنا الماضي»؛ غير أن التطوير الذي ساق عبد الكريم غلاب في تجربته الإبداعية وصولا إلى «المعلم علي» جعل التراكم يشيد صرحا شامخا في ديوان الرواية مغربيا وعربيا بالنسبة لهذا الكاتب المغربي الكبير.
فالأكيد أن بعض العناوين فعلا هي إبداع نسائي محض، حمل طموح التغيير ومطلب العدالة النوعية والمساواة والمطالبة بنبذ النظرة الباترياركية الشاذة التي تديرها الفحولة الرجالية ضمن سيكولوجية محطمة ، أجهز عليها القمع السياسي ودمرها الإذلال ونقل معركتها إلى عقر المرأة لتعاني منها ، فمن خلال رجولة عربية مزيفة مهزومة ومتشظية تنظر المرأة إلى العالم. الرجل العربي لم يستطع أن يثبت ذاته من خلال الثقافة والسياسة والتغيير وعانى من التفكك والمحو. عاش ويعيش في مجتمع خنوع ومستجيب لسلطة استبدادية مسيطرة ومتحكمة وعايش الغطرسة الإسرائيلية التي استمرت لتغطي كل الأجيال العربية لما بعد النكسة. الرجل العربي في المشرق أو في المغرب لم يغير بالقدر الكافي من مواقفه ليتحرر من سلطة النوع إلى مقاربة النوع ، القمع السياسي الذي يتعرض له رجل الشارع في علاقته بالأنظمة السياسية العربية وسيكولوجية القهر الممارسة عليه نزلت بثقلها على المرأة/ الزوجة، رفيقة العمر ووعاء الصدمات الاجتماعية المتنوعة. المد الديني الإسلاموي المتشنج دمر القدرة على تطوير علاقة متوازنة مع الجانب العقائدي للفرد، ذهنية التشدد العقائدي التي تؤكد بقوة وإفراط على الحقوق الشرعية للرجل في المرأة دون أن تتمكن هي من تحقيق أبسط حقوقها لدى الرجل/ المجتمع، في كثير من الأحيان، وهو شيء صعب كثيرا تحقيق العدالة النوعية بين الجانبين في إطار الثوابت العادلة للأمة لا في حيز التملك والضغوطات العقدية المتزمتة والنظرة الشوفينية للذات.

التركيز الذهني الشاعري :

تعتبر رواية ربيعة الأولى «طريق الغرام»، عملا غير منسلخ عن طبيعته الإبداعية الأصلية وجذوره التحررية. فهو يمتح من المرجعيات التاريخية والاجتماعية على مستوى العمق الثقافي ويستثمر تجربة الكاتبة الإبداعية في مجال القصة القصيرة على مستوى البناء والتكوين. لقد استغلت الكاتبة هذه المرجعية، ومن المعلوم أن القصة القصيرة، هي بكل بداهة تعتبر الخلفية القاعدية لكتابة النص السردي الطويل، وهي عند الكاتبة تنسجم بشكل جيد مع طبيعة الكتابة الروائية التي تشتغل على تعدد الخطابات وتداخل الأصوات والتحرر من قيود النص واستعمال الزمن وفق اللحظات المتداخلة واستغلال مساحات الذهن الثقافي والتراكم في الاسترجاع وبالتالي الدخول بالنص الإبداعي بوتقة الخطاب اللغوي المشعرن. الرسائل المتبادلة بين فوز و»يوسف» «الشاعر» العراقي المقيم في لندن. رسائل تحمل سمات الكتابة الشعرية ، وتحمل رسائل « فوز» بعض ملامح الرؤيا الشاعرية ، وهما معا قدما للكاتبة فرصة الانزياح والبحث عن نصوص تخلخل الرتابة التعبيرية المعتادة. فشخصية الرواية المهتمة بالفن والأدب والشعر. تقول: «…سأمنحني فرصة أخرى وشيقة ، روحها المجاز والشعر والافتراض، مغالبة القدر الذي لم يكن رحيما بي على كل حال…»، ثم تضيف: «..ها أنا أعكف لأشهر على قراءة شعر يوسف، فأثمل من الموسيقى والفرح». هذا الشطر الحواري من النص المنزاح تضمن تعبيرا غير موفق يصف به المتكلم عمق العلاقة بذاته مستعملا كلمة مركبة من فاعل بصيغة الأمر ومفعول به مضمر ، اجتهادها اللغوي هذا انتقص كثيرا من السياق الشعري للنص وكأنما الرغبة في التوليد هي الهدف وليس العمق اللغوي للمضمون الشعري للكلمة. وكنت أتمنى أن يقول المتكلم بكل بساطة «سأمنح نفسي فرصة أخرى « ويضيف «شيقة «، تحمل العبارة عمقا للغة الشعرية أكثر إيقاعا من سالفتها، مباشرة لكن شاعرية وممتنعة . تتكرر المباشرة التعبيرية في الصفحة 142 حين يقول المتكلم «فجأة أجدني وحدي «، يتم رصد الابتذال من خلال كلمة «أجدني» في غير انسجام مع النص الإبداعي لإيجاد طريقة شاعرية أفضل وأكثر جاذبية للتعبير.

3- الخطاب السيميائي المنزاح:
في طريق الغرام تصادف الرواية النسائية بحق، إذ لطالما تساءل الأدب المغربي عن إبداع النوع، باختصار عن أدب نسائي حقيقي يستحضر الظرفيات والقضايا والعمق الاجتماعي والروح والوجدان أي الحب والعلاقات العاطفية المنشغلة بالجانب الإنساني من المرآة. لكن بأسلوب مغاير وإطلالة محتشمة ورزينة وحفاظ على اعتبارية القارئ : «المرأة ليست كائنا أرضيا..إنها مخلوق سماوي..تصوري العالم من دون امرأة ؟؟ ممكن ؟؟؟ . (الصفحة 19 من الرواية).»أنام في أحضان كلماتك الجميلة..»الصفحة 112 من الرواية. «أنت في قلبي المتعدد، صديقة عذبة وأشياء أخرى لا أعرفها..تطلعي نحوي دون أن تلمسيني، لأنني سأتلاشى» الصفحة:117.
لكن الواقعية التي استهلت بها الكاتبة عالمها القصصي في مطلع كتاباتها متأثرة بالأدب الواقعي العربي، لم تغب عن النص في محتواه السردي واللغوي، حيث بقيت الكاتبة متشبثة بمسايرة النفس التصاعدي للحظة الإبداعية تاركة تشعب السرد يخدم الأحداث المتسارعة، مما يفرض على الكاتبة تقنية كتابة سردية مركزة ومبتسرة أحيانا. ولعل هذا الاقتصار على حصر تنامي اللحظات الحوارية وفرز تركيبات متناسقة إضافية للوقائع التي تتيح مساحة أفسح للسرد، هو ما جعل التكثيف المقصود للأحداث والوقائع والتعامل معها، محدودا جدا ومعدودا في اللحظة الإبداعية وفي تطوير النص كميا، لدى نجد أن حجم الروايات النسائية في المغرب ليست بالضخامة والحجم الذي عرفته روايات رجالية من خلال تجارب حنا مينه وهاني الراهب وجبرا إبراهيم جبرا وقبلهم نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس مرورا بتجارب عربية أخرى أكثر حداثة وتجسيدا لمكونات الاختلاف والمغايرة ومحتويات الإبداع السردي المنشق في كما نجد عند إدوارد الخراط وإبراهيم أصلان والأسواني وغيرهم..أجل إنه لا يليق مقارنة الأحجام ببعضها وترك العمق الثقافي والاجتماعي لمضمون العمل الإبداعي ، فكثير من الروايات على صغر حجمها كانت قنبلة إبداع دائمة الاشتعال.
حقيقة، يمنح الحجم الكمي، النص الروائي إمكانية هائلة لمساءلة ذاته وطرح أسئلة الكتابة والواقع من شتى أوجه التغلغل في خبايا المجتمع البشري واستغلال مساحات الفكر والثقافة في تجلية هذا الواقع. فالكتابة هي مجرد ذريعة للسرد، تصبح جزأه الأساس في النص معتمدة على الحوارية الممططة وذلك من أجل رصد واقع يبدو متمنعا عن الرصد أكثر فأكثر ومن اللازم اّلإحاطة به، وعند اختلال الأدوات المعبرة يبدو الواقعي المتعقب من خلال السرد والحكاية واقعا يمر ويعود من جديد دون نهاية.
* كاتب واكاديمي مغربي

ميلود العضراوي / عن القدس العربي