– على الحراقات العائدة للإدارة الذاتية والخاصة، الاهتمام بدرجات الحرارة التي تحدد وعلى أقل تقدير الفصل بين ثلاث مواد رئيسية وهي: (المازوت، الكاز والبنزين)، والترسبات المائيّة والأوساخ المرافقة لها.
– بعض محطات المحروقات لا تخضع للمراقبة وتخلط البنزين الرديء مع البنزين الممتاز وتبيعه بسعر 360 ل.س.
– هذا مرتبط بعدم السماح بدخول المصافي الحديثة عن طريق الإقليم، لذا يكون الاعتماد على المصافي البدائية.
– كانت مبيعاتنا من الغطاسات أيام توفر البنزين الجيّد قليلة جداً, ربُّما تصل إلى خمس أو ست قطع شهرياً, أما اليوم وبسبب هذا البنزين فأننا نبيع كل يوم بحدود 20 – 30 قطعة.
تحقيق: قادر عكيد
“لم يكن الميكانيكي يفك محرّكا في الشهر أو يعيّر طرمبة في أسبوع بينما الآن فأنك يجب أن تنتظر أسبوعا ليصلك الدور في فك أو تعيير طرمبة, يقولها المواطن محمد علي حسين بسخرية”
تستفحل أزمة المحروقات في مقاطعة الجزيرة ويبلغ الأمر أوجه دوماً مع بداية كل شتاء حيث الحاجة إلى وقود التدفئة ” المازوت”.. لكن ظهرت في الآونة الأخيرة أزمة أخرى جديدة قديمة هي أزمة البنزين السيء أو الرديء، أو فيما بات يُعرف ببنزين “الكازيات”, والذي أصبح سبباً للعديد من المشاكل البيئية والميكانيكية وحتى الصحيّة.
وحسب الاحصائيات فأن نصف دخل الفرد من أصحاب السيارات العمومية يذهب إلى جيوب الصناعيين؛ بسبب الأعطال الناتجة عن استعمال هذا النوع من البنزين, أضف إلى ذلك أعطال سيارات الديزل الخاصة والتي تعمل على المازوت والسبب والنتيجة واحدة.. أعطال انشطاريّة..!
بحسب منشور للسياسيّ وليد جولي، استند فيه على إحصائيات ودراسة دقيقة من الإدارة الذاتية والبلديات فأن :” معدل كيل صهريج البنزين يبلغ 40 ألف لتر، وإذا قسمنا هذا الرقم على حاجة كل سيارة، سيكون لكل سيارة 40 لتر، بالتالي سيكون عدد السيارات التي يتم تعبئتها من الصهريج 1000 سيارة”.
ويضيف في منشوره على صفحات التواصل الاجتماعي:” يتراوح معدل الأعطال وخسائر الشّعب التي تنجم عن صهريج (البنزين) الغير صالح للاستعمال ما بين 25 ألف ل. س، هذا في حال إذا تمّ تدارك الأمر وقمت بتغيير الزيت والمصافي والبخاخات إلخ …ويكون معدل الأعطال والخسائر 200 ألف ل. س، في حال لم يتمّ تدارك الأمر، وقمت – بسبب الأعطال – بفك المحرّك أو استبداله”.
ويتابع:” فإذا اعتمدنا الرقم الأول في الخسارة وهو 25 ألف ل. س، ستكون الخسائر 25 مليون ل. س لكل صهريج ملوث يتم توزيعه في إقليم الجزيرة، وهذا ما يحصل فعلا؛ رغم سهولة طرق الفصل بين الماء والمازوت والكاز والبنزين والأوساخ المرافقة لها”.
ويختتم جولي منشوره بملاحظة أن ” 60 % من واردات الشعب تذهب للمناطق الصناعيّة “.
يقول بعض الصناعيين إنّ البنزين والمازوت وكذلك الكاز المَستخرَج يحتوي على مواد خفيفة كالكحول والكيروسين والتنر وغيرها من المواد الخفيفة, وهذه المواد لا تؤثر كثيرا على الآليات, لكن المشكلة في الكاز وأضراره على الآليات والحديد, سيما الكاز المتبقي مع البنزين أو المازوت.
ويذهب إلى ذلك الميكانيكي محمد ظاهر خليل بالقول: بالنسبة لآلية احتراق البنزين, فأن البنزين حين يدخل حجرة الانفجار لا يتم احتراقه كاملا، وبالنتيجة تبقى بعض الترسّبات مثل قطع صغيرة جداً من النايلون أو الاسفنج والأوساخ، لأنها غير قابلة للاحتراق، وهذه الترسُّبات تبقى على “البستون” أو بين “السكمان”, ومن ثم تختلط تلك الترسُّبات مع الزيت, ومع مرور الزمن بعد شهر أو شهرين, تنزل إلى المصفاة, شيئاً فشيئاً تنسدّ المصفاة، حينها تموت القشور وينضرب “الكرنك”, ويضطر السائق إلى فك المحرّك كاملا”.
يطلب بعض السائقين من الإدارة الذاتيّة وإدارة المحروقات الاهتمام بالجودة, وفرز المواد الأساسية الثلاث وتركها فترة حتى تترسب المواد الضارة, لأنّ مادة الرصاص – كما هو معروف – لا تترسب بسرعة وهذا يتطلب مواد إضافية لإزالتها وهي غير موجودة لدينا حسب ما صرّح به أحد المواطنين والذي يعمل سائقا على سيارة أجرة على خط الهلاليّة, وفضّل عدم ذكر اسمه.
وهذا ما أكّده خليل بالقول:” المازوت والبنزين بنفس السوّية السيئة والرديئة, فالبنزين مثلا يبقى فيه شوائب أو ترسبات، والسبب هو من المصدر الأساسي، فالمصافي لا توجد فيها تقنية حديثة، وهذا هو الموجود. لم يفضّل المواطنون بنزين الحراقات على بنزين المحطات, لأنها أفضل جودة.”
في حين قال عكيد هسو وهو صاحب محل قطع تبديل في المنطقة الصناعيّة: ” ليس بمقدور سائق الأجرة أن يستعمل هذا النوع من البنزين , أولا بسبب غلائه, ثانياً أنّها لا تفي معه، لذا يضطر الى استعمال السيء, وهذا بدوره يكون في عدة أعطال منها الغطاس، المصافي، تغيير السكمان وجوان كولاس (jwan colas)”.
ويشبّه الميكانيكي محمد ظاهر ترسُّبات البنزين التي تسدّ المصافي أو تحرق “جوان كولاس”، بالسوسة حيث يتمّ التآكل من الطرفين، حتى يصل طرفا الخرطوم بعضهما ويحترق ويختلط الزيت بالماء.
بينما يورد أحمد الجاسم “اسم مستعار” وهو صاحب حرّاقة سابقاً, ويعمل الآن في بيع بنزين الحراقات على الشارع العام قصّة أحد السائقين الذين كانوا يترددون عليه باستمرار, إذ جاءه مرّة يشكو من عطل كبير في المُحرِّك يستوجب فكّه كاملا, فقام بتفريغ دبو السيارة وإذا به من النوعية السيئة ولونها أحمر تماما كالزيت.
وضعت الإدارة الذاتية بعد أزمة المازوت في بداية العام المنصرم اليد على معظم الحراقات الخاصة, التي كانت تنتج البنزين الجيد والوسط والرديء وكانت تبيعه في الأسواق, وكانت مقبولة النوعيّة
ويشتكي أصحاب الحراقات من شراء المواد الخام من الإدارة بأسعار عالية, إضافة إلى تحكمها بأنواع المواد المنتجة بعد التكرير والحكم على جودتها ورداءتها دون ضوابط, مثلا إتلاف بعض المازوت أحيانا بدعوى أنه غير صالح, أو شراء اللتر بعشرين ليرة من الحراقات, وحتى تعوض تلك الخسارة يقوم أصحاب هذه الحراقات ببيع البنزين الجيد بأسعار عالية, وإدخالها إلى قامشلو عن طريق حارة طي والنظام الذي يضيف إليها ضرائبه.
يضطر المواطن إلى تعبئة البنزين الرديء بـ75 ليرة وهذا البنزين فيه كميات من الكاز والأوساخ وحتى الماء, وهذا يؤثر على البخاخات والمصافي والغطاسات.
يقول هسو:” من المؤسف جداً أن يستعمل السائقين بنزين محطات الوقود “75” ليرة, لأن بنزين الحراقات “150” ليرة, أفضل منها بكثير. يجب أن تكون بنزين المحطات أفضل بكثير من بنزين الحراقات, لكن للأسف نرى العكس”.
ويوضح الجاسم كيف أنه قام بتصفية مائة لتر من البنزين وكانت النتيجة صادمة إذ أنّ نسبة البنزين كانت فقط 55 % أي النصف. بينما كانت نسبة الكاز20%. ونسبة المازوت 25%.
نسبة الكاز الموجودة سواءً في البنزين أو بين المازوت تعرقل عملية الاحتراق وعدم الاحتراق الكامل يحول البنزين إلى زيت ينزل عبر السكمانات إلى الأسفل ويختلط مع الزيت, ويتضاعف المنسوب خلال أيام, وهذا الزيت النازل يؤثر على القشور, والنتيجة تضطر إلى تغيير جميع تلك الكمية من البنزين وتفريغ الدبو، وتغيير المصفاة والغطّاس وتغيير البخاخ, إضافة لتغيير الزيت, وهذه الحالة من التصليح شبه شهرية تقريبا لأغلب السائقين حسبما أوضح خليل.
وأرجأ لقمان أحمه رئيس هيئة البيئة والسياحة والآثار في مقاطعة الجزيرة ما ذهب إليه معظم المواطنين والميكانيكيين بالقول: ” هذا مرتبط بعدم السماح بدخول المصافي الحديثة عن طريق الإقليم، لذا يكون الاعتماد على المصافي البدائية والتي تؤثر سلبا على ميكانيك الآليات وكذلك على الإنسان والبيئة, لأن هذه السيارات تصدر أدخنة ضارة عدا الأدخنة التي تصدر من احتراق البنزين والمازوت, هناك أدخنة أخرى أكثر ضررا، كان يجب أن يتم تصفية قبل الاستعمال”. منوّهاً :” أننا محاصرون بين نارين، نار التكرير البدائي وتحمّل الآثار السلبية, ونار التوقف عن العمل, ومعها يتوقف كل أشكال الحياة “.
المواطن محمد علي حسين من قامشلو ويملك سيارة حديثة يرى :”أن بعض محطات المحروقات لا تخضع للمراقبة وتخلط البنزين الرديء مع البنزين الممتاز وتبيعه بسعر 360 ل.س وهذا يؤثر على الآليات بشكل كبير, تبقى الأسعار ثابتة رغم انخفاض سعر صرف الدولار أحيانا”.
ويضيف مستاءً:” هذه هي سيارتي, وبحاجة إلى فك محرّك بسبب “التبخير” الناتج عن استعمال هذا النوع من البنزين والذي لا يخضع للرقابة, نشتريه على أساس أنه سوبر, لكن بسبب الغش الناتج والخلط, تبقى تأثيراتها على المحرك كبيرة جداً”.
لم يكن الميكانيكي يفك محرّكا في الشهر أو يعيّر طرمبة في أسبوع بينما الآن فأنك يجب أن تنتظر أسبوعا ليصلك الدور في فك أو تعيير طرمبة, يقولها المواطن محمد علي حسين بسخرية.
إنّ هذه الأزمة الناتجة عن استخدام هذا النوع من البنزين خلقت أزمة في مجال قطع التبديل أيضاً, والمستفيد الوحيد هم كبار التجار الذين يوردون هذه القطع وأغلبهم من تجار حلب أو تجار إقليم كردستان حيث يتحكمون بـ 75% من الفوائد, بينما يذهب الـ25% الباقية إلى محل قطع التبديل.
يقول هسو:” كانت مبيعاتنا من الغطاسات أيام توفُّر البنزين الجيّد قليلة جداً, ربُّما تصل إلى خمس أو ست قطع شهرياً, أما اليوم -وبسبب هذا البنزين -فأننا نبيع كل يوم بحدود 20 – 30 قطعة بشكل مفرّق عدا ما نبيع بالجملة للمحلات، وبالمحصّلة فأننا نبيع حوالي 40 قطعة يومياً.. أما المصافي فبحدود العشرين يومياً, والبخاخات حوالي عشرة يومياً. وبسبب عطل المصافي المكرر فأنّ أغلب السائقين, وخاصّة سائقي الأجرة أصبحوا متمكنين في تغيير المصافي والغطاسات”.
وعن أزمة قطع التبديل وغلاء الأسعار يقول محمد أنور رئيس المجلس الصناعي في مقاطعة الجزيرة والذي تنحصر مهامه في فضّ النزاعات ما بين الحرفيين والمواطنين وكذلك مراقبة الأسعار:” بخصوص تحديد المجلس الصناعي للأسعار فأننا جمعنا ميكانيكي البنزين والمازوت, لتحديد الأسعار المناسبة لهم وللشعب، فسوق المنطقة الصناعية أصبح كـ “البعبع”. وليعلم الجميع أن الغلاء الحاصل هو نتيجة الحصار”.
كانت الحراقات فيما مضى أمرا إيجابيا استفاد منه الشّعب, لكنها لم تستطع التغطية على جانبها السلبيّ، والحفاظ على الجودة قدر الإمكان فعدم استعمال المادة بشكل صحيح يؤدي إلى عدم الاحتراق الكامل, وهذا ما نلاحظه في دخان السيارات الذي بات يشكل مشكلة بيئية ستظهر عواقبها في قوادم الأيام.
“الميكانيكي الذي لا يلتزم بالأسعار المحددة من قبلهم، وترفع ضدّه شكوى، فأن المال الزائد يسترجع منه، أما إذا كانت الشكوى إلى التموين فأنها تغرمه ثلاثة أضعاف ما أخذه”
وفي هذا الصدد يقول أحمه:” المطلوب في الوقت الحالي زيادة عدد الأشجار وزراعتها داخل المدن وفي مداخلها, لنقلل من آثارها قدر المستطاع. سيارات الإدخال يجب أن تكون من النوع الحديث, وليست من السيارات منتهية الصلاحية. إضافة إلى أنه على المواطنين المسارعة بتصليح مركباتهم في بداية الأعطال, لأنه كلما تأخر التصليح تفاقمت الأضرار أكثر على البيئة والإنسان, وتتضاعف تكاليف التصليح”.
وأضاف:” يجب إدخال مصافي حديثة, ومراقبة سيارات التي تعمل على المازوت والتي تدخل المنطقة وضرورة احتوائها على أجهزة بيئية, وألا تكون السيارات الداخلة “منسَّقة” أي منتهية الصلاحية في البلدان الأخرى”.
مشكلة أخرى يعاني منها المواطن عدا سوء المحروقات والتلوث البيئي ألا وهي ارتفاع أسعار اليد العاملة في المنطقة الصناعية، وهذا ما شرحه الميكانيكي محمد ظاهر خليل وهو عضو في المجلس الصناعي أيضاً بالقول:” إنّ الأسعار التي تمّ تحديدها لنا كصناعيين غير مناسبة أبداً, نحن الحرفيين غير موافقين عليها، سيبقى الوضع العام هكذا، إنْ لم يحدث استقرار ستبقى الأسعار هكذا ولا يستطيعون ضبطها، وإذا لم ينخفض الدولار فلن تنخفض الأسعار”.
وأضاف:” مثل هذه السيارة من نوع سوناتا ومحرّكها 16 بستون, هناك عطل في المحرّك وسنضطّر لفكّه وتبديله لأن قطعه غير متوفّرة ويجب تبديله بمحرّك جديد. تكلفته حوالي /800/ ألف ليرة سورية, وأجرة اليد العاملة حوالي 100 ألف ليرة سورية, وكانوا قد طلبوا منه في محل آخر 150 ألف ليرة سورية”.
بينما قال محمد أنور رئيس المجلس الصناعي أنهم قدموا لكل المحلات نسخ من قرار تحديد الأسعار وطالبوهم بتعليقها في المحلات ليطّلع عليها المواطن، مشيراً إلى أن الميكانيكي الذي لا يلتزم بالأسعار المحددة من قبلهم، وتُرفع ضدّه شكوى، فأن المال الزائد يسترجع منه، أما إذا كانت الشكوى إلى التموين فأنها تغرمه ثلاثة أضعاف ما أخذه.
وتبقى الأزمة قائمة ما لم تخطو الإدارة خطوات جديّة بهذا الصدد, وتبقى المناشدات والأماني سلاح المواطن لإنقاذ دخله الفردي وبيئته وآلياته, والأهم من هذا فتح المجال أمام المبادرات والمقترحات الجادة بهذا الشأن كما يقول الجاسم خبير الحراقات:” لو أنّ الإدارة تمنحني رخصة في هذا المجال، لأحرقت في اليوم 15 حرقة, يكون نتيجتها بنزين أفضل من البنزين النظامي المستخدم الآن”.
أو كما يطالب أحمه:” مطلوب من الإدارة الذاتية وفروعها البيئية والبلديات, ومن كل شخص, الإكثار من زراعة الأشجار, مهما كثرت كمية الأشجار قلّ تأثير هذه الغازات على البيئة والإنسان”.
أو مثلما يتمنى الظاهر:” كميكانيكي أتمنى من الإدارة الذاتية على أن تحسّن مادة المازوت والبنزين، عندما يكون البنزين نظيفاً فأن الصناعيين أيضاً سيرتاحون قليلا من هذا العبء، وحتى السائقين لن يلوموننا في شيء”.
أو كما اقترح هسو أنه على الإدارة العمل على تخفيض سعر البنزين الممتاز قدر الإمكان.
وبدورنا نضع هذه المناشدات والمطالب والاقتراحات والأماني برسم الإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة والجهات المعنيّة مثل هيئة الصحّة والطاقة والبلديات لوضع حلول إسعافية سريعة على أقل تقدير في الوضع الراهن وهو الاهتمام بدرجات الحرارة التي تحدد وعلى أقل تقدير الفصل بين ثلاث مواد رئيسية وهي: (المازوت، الكاز والبنزين), والترسبات المائيّة والأوساخ المرافقة لها. وذلك لحماية الاقتصاد الوطني والبيئة ودخل الفرد والمواطن قبل كل شيء من مخاطر جمّة أبسطها الأمراض المزمنة.
نشر هذا التحقيق في العدد /78/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/5/2018