الصورة .. من شنكال إلى قسطل جندو

 

طه خليل

خلال الحرب التي شنّها كيان العدو الطوراني على عفرين انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لقادة ما يسمى الائتلاف السوري المعارض، والذي تبنى مجموعات عديدة من المسلحين ممن دربتهم تركيا من بقايا الجيش الحر وجبهة النصرة وداعش وغيرهم، وأرسلتهم تركيا ككتائب متقدمة لجيشها، لاحتلال البلدة الكردية عفرين، والصورة كانت لزيارة قام بها قادة الائتلاف لقرية قسطل جندو الكُردية في ريف عفرين والتي هجرها سكانها الإيزيديين، هربا من فظائع المحتلين وبطشهم بحق السكان المدنيين، احتوت الصورة على شخصيات سورية ” معارضة ” لنظام بشار الأسد، وهي تنسّق مع تركيا منذ سنوات، الملفت في الصورة كان وجود أشخاص عرفوا خلال سنوات عديدة كشخصيات مثقّفة و “وطنيّة” علمانيّة، عانت من السجون والاعتقالات في دولة البعث، ومن هؤلاء رياض سيف وقد عرف عنه أنّه ليبرالي علماني، وهيثم المالح الذي وصفته المعارضات بـ ” شيخ الحقوقيين السوريين “، بالإضافة لشخصيات من جماعة الإخوان المسلمين وتجارها من ممولي الجماعات الإسلامية المسلّحة في سوريا كأحمد رمضان وغيره.

بداية: قرية قسطل جندو، هي من القرى الكبيرة في ريف عفرين تقع على السفح الجنوبي الغربي لجبل بارسا، وهي من القرى الإيزيدية ويقال إنّ اسم ” جندو ”  جاء من ” المؤمن ” في تفسيرات كتب الديانة الإيزيدية، وتقع على طريق اعزاز ـ بلبلى في ناحية شران، تحيطها عدة سلاسل جبلية خصبة مزروعة بأشجار الزيتون والكرمة ويبلغ عدد بيوتها ما يقرب من  المائتي بيت وعمرها يتجاوز ثلاثمائة سنة، كما تقول الدراسات التاريخية.

وبعد شهر من المعارك الطاحنة، وعندما بدأت توابيت المهاجمين من جيش العدو الطوراني ومرتزقته، تصل تباعا إلى مشافي تركيا، بدأت معنوياتهم تتناقص، وهمتهم ترتخي، فبدأت دوائر الحرب الخاصة التركية تقدم لجنودها المسرحيات التي تتحدث عن أمجاد العثمانيين وترسل إليهم شخصيات فنيّة ومطربين ومطربات، يكتبون أسماءهم على الصواريخ وهي ترمى على الكرد، كل هذا لرفع معنويات بدأت تتلاشى على قمم عفرين، وجاءت زيارة شخصيات الائتلاف السوري من هذا المنطلق، فوصلوا قرية قسطل جندل لما لها من رمزية في المشهد الديني والعقائدي للمهاجمين.

وبالعودة إلى الصورة، فأن المشهد بدا صادماً، وحاداً وعميقا في مغزاه ودلالاته، فهؤلاء الذين ادّعوا تمثيل الثورة السورية خلال سبع سنوات، و وعدوا الشّعب السوري بالحرية والكرامة والديمقراطية، بدا عليهم عار العمالة للمحتل في أبهى صوره.

فأية دلالة أخلاقية تبثُّها صورة ” الليبرالي ” رياض سيف، وهو يقف أمام مستودع للزيتون في قرية قسطل جندو الإيزيدية، وبدا السؤال جارحا، كيف يفكر المثقف العربي السوري تجاه ” أخيه ” الكردي؟! وأية ثقافة عفنة تتخفى تحت شعارات العلمانية والثقافة وقضايا التعايش والأخوة التي يطرحها المثقف السوري الذي كان يدعي أنّه معارض لنظام البعث العنصري، ولماذا لم يستطع المثقف السوري بشكل عام تصور أن للكردي شخصية وثقافة وتاريخ وحضارة ولغة غير ما لديه هو، ولماذا كان الكردي يكن الاحترام له ولثقافته ويتفاخر بها، في الوقت الذي نراه اليوم يرتد عن كل جماليات الثقافة التي عايشها المثقفون السوريون بمختلف انتماءاتهم وينحاز لطاغية يحتل جزءا من ” بلده ” وهو يسانده روحيا وجسديا.؟ هذه الثقافة التي  سوف ترغم الكردي الذي ليس له إلا ” الجبال ” والريح ـ  بحسب محمود درويش ـ  أن يقارن بين نظام حرمه من أبسط حقوقه الإنسانية، وجعله يعيش وبين أناس يحرمونه من حياته ويمثلون بجثته، ويقارن بين صورة الداعشي ” السُّنّي في “شنكال ” وهو يتلذذ بقتل الايزيديين ويسبي نساءهم، وبين صورة سيف والمالح وهم يبتسمون لكاميرا الجندي التركي الذي يحتل قرية كردية ينشغل أهلها البسطاء بزيتونهم ودجاجهم وكانوا على مدى قرون ذاهلين عن ديمقراطيات ودكتاتوريات تخرب دنيا الفقراء، كانوا مرتبطين بديانتهم التي ترى في النور والضوء قدسية، ولا تحبذ الظلام، وتتناقل قصص أكثر من سبعين إبادة تعرضوا لها على مدى التاريخ.

تلك وحشة الثقافة التي نمت في الخراب، و وحشة سوريا التي غدر بها ” حماتها ” موالاة ومعارضة، وصاروا يصفقون للصواريخ تدك دمشق الشام، و وحشة الكردي الذي لا جناح عليه إذ يرمي كل ثقافة التسامح، والتآخي التي تداس بأرجل أشباه بشر يعدون السوريين بثقافة مغايرة وحياة مغايرة، وحرية تسع الكون كله، لكنها لا تتحمل الكردي الحزين.

نشر هذا المقال في العدد /78/ من صحيفة بتاريخ 15/5/2018