الصناعة والمهن اليدوية الكردية في أوائل القرن العشرين.. الألبان والأجبان     

اشتهر الـ “كوجر” بصناعة الأجبان والسمن وحتى الآن يضرب المثل بالجبن الكوجري.

– كان التجار من حلب وحماة يتجولون في المنطقة لشراء الزبدة الكردية ليصنعوا منها السمن.

فارس عثمان

اشتهر الكرد في المناطق الكردية في كوباني والجزيرة وعفرين، بصناعة الألبان والأجبان في كافة أرجاء سوريا، وكان تجار المناطق الداخلية من حلب وحماة وحمص يقصدون هذه المناطق لشراء الحليب والجبن والزبدة والسمن، فكانت أسواق كوباني والجزيرة تشهد زيارات منتظمة ودورية للتجار لشراء الألبان والأجبان الكردية خاصة في بداية فصل الربيع، وجاءت مهارة الكرد في هذه الحرفة التي توارثوها، نظراً لأن اللبن والجبن كان الغذاء الأساسي والرئيسي للسكان.

كانت ولا زالت طريقة إعداد وصناعة والأسماء التي تطلق على هذه مشتقات الحليب واحدة أو متقاربة جداً في كافة المناطق الكردية في سوريا، وقد اشتهر الـ “كوجر” بصناعة الأجبان والسمن وحتى الآن يضرب المثل بالجبن الـ كوجري. وتمر صناعة الجبن بمراحل عديدة، يبدأ بحلب الحليب في أوعية كبيرة، وبعد تركه لبرهة من الزمن يتم إضافة مادة التخمير إليه ويكون جزء من مشيمة الخروف أو النعجة*، بعد ذلك يتم تغطية القدر لبضع ساعات حيث يصل إلى مرحلة التجبن ويسمى “Gevî”، وبعد ذلك يتم إضافة بعض الأعشاب المنكهة إليه حسب الرغبة مثل ( الخبيزة، والحرشف)، وبعد ذلك يوضع على شكل كرات في أكياس كتانية توضع فوق بعضها البعض، مع وضع الحجارة فوقها لاستخلاص الماء منها، وبعد ذلك يتم تقطيع الجبن إلى قطع متساوية. فإذا كان معداً للبيع لا يضيفون إليه الملح، أما إذا كان للاستهلاك المنزلي فيضيفون إليه الملح حسب الرغبة.

اشتهر الـ “كوجر ميران” في منطقة الجزيرة السورية وخاصة عشيرة كجان”Kiçan”، بصناعة نوع من الجبنة تسمى”Sîrik”، أي الجبنة بمذاق الثوم، فبعد الانتهاء من إعداد الجبنة البيضاء، يتم تقطيع الجبنة إلى قطع متوسطة متساوية، ومن ثم يتم تقطيع وفرم الثوم* البري، ويخلط مع الجبن مع إضافة الملح* إليه، وبعد ذلك يوضع في قربة نظيفة، او في دن من الفخار يسمى “Kupik”، وتوضع القربة أو الدن في زوايا الكهوف المظلمة لأنها باردة، والبعض كان يضعها تحت الأرض لفترة من الزمن. ومن ثم تستخرج وتقدم في الفطور ولها مذاق جميل.

وهناك نوع من الجبنة الخالية من الدسم يصنعه الـ كوجر يسمى “Şijik”، يصنع من الماء المصفى من الجبن، الذي يتم وضعه في قدر كبير ويضاف إليه بعض الشنينة “Dew” ، ويترك الخليط إلى اليوم التالي، بعد ذلك يتم إضافة بعض الأعشاب المنكهة البرية إليه حسب الرغبة، ومن ثم يتم غليه بشكل جيد حتى ينفصل البياض  المتكون من ماء الجبن والشنينة عنه، بعدها يتم فصل البياض بمعالق كبيرة عن الماء، ويوضع في قدر حتى يبرد، وبعد أن يبرد يوضع في أكياس من الكتان أو الشاش حتى يتم تصفية الماء عنه، ويقدم كفطور، وكان البعض يقلونه مع البيض.

أما الزبدة الكردية “Nîvişik”، فكانت تصنع طوال العام، حيث يغلى الحليب في قدر كبير ومن ثم يترك ليبرد قليلا، ومن ثم يضاف إليه قليلا من اللبن الرائب ليتخثر ليصبح لبنا، ثم يجمع اللبن ويوضع  في “القربة، Meşik-” مع إضافة كمية مناسبة من الماء البارد إليه، وتعلق القربة على ثلاثة أعمدة صغيرة بشكل مثلث تسمى “Sêpî”، وللقربة  قبضتان تدعى “اللوالب” تمسك بهما المرأة أثناء “الخض”، ويستمر الخض حوالي الساعة، حتى تطفو الزبدة إلى الأعلى، وبعد استخراج الزبدة من القربة توضع في وعاء من الماء البارد مرة ثانية حتى تتجمد. ومن ثم تجمع لتوضع في أوعية كبيرة، وكان التجار من حلب وحماة يتجولون في المنطقة لشراء هذه الزبدة الكردية ليصنعوا منها السمن.

بعد استخراج الزبدة من اللبن يجمع هذا اللبن المتبقي الخالي من الدسم،  ويسمى “عيران، شنينة – Dew” الذي يؤكل ويشرب مباشرة أو يصنع منه اللبنية”Meyir”، أو يتم إعادة تسخينه مرة أخرى حتى  يتفتت ليصبح “Lorik”، الذي يوضع بعد أن يبرد في أكياس من الكتان لتصفيته من الماء وبعد أن يتكاثف ويتماسك مثل اللبنة يتم إضافة الملح إليه، ويترك معرضا للشمس حتى يجف، ويسمى “الهكط- Cortan”، ويخزن لفصل الشتاء على شكل أقراص صغيرة صلبة، ويتم تذويبه بإضافة الماء إليه ليصبح على شكل” عيران، Dew “، ويؤكل أو يشرب على الفطور، وتصنع منه اللبنية “Meyir”.

أما السمن البلدي فيستخرج من “الزبدة” التي تجمع في قدور كبيرة، التي توضع فوق النار، وبعد أن تسخن وقبل درجة الغليان يتم إضافة قليل من الطحين أو البرغل إليه، ويحرك جيدا حتى يمتص هذا الطحين أو البرغل المياه الباقية بالزبدة، ثم ترفع القدور عن النار، ووترك حتى تبرد، ليتم تصفية السمن من الطحين أو البرغل ، وبعد أن يبرد ويتم تصفيته تماماً يوضع في القُرب “Meşik”، وعادة كان تطرى القُربة بقليل من الدبس من الداخل وحى لا يتسرب السمن من القربة. وتعلق القربة في مكان مرتفع في البيت أو الخيمة، أو تحفظ جيداً في مكان آمن بعيدا عن الحيوانات المنزلية، زكان هناك إقبال كبير من تجار المناطق الداخلية في سورية على شراء السمن البلدي ” الكردي”.

نشر هذا التقرير في العدد /77/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/4/2018