تحقيق: فنصة تمّـــو
شهدت مدن إقليم الجزيرة منذ ما يقرب العامين حركة نشطة في قطاع الصرافة وبتنا نألف رؤية تلك المحال التي تعتليها يافطة تشير إلى أنها شركة أو مكتب للصرافة أو تحويل العملات, وأكثر ما يثير الجدل هو تحوّل نسبة كبيرة ممن كانوا يعملون في قطاعات مختلفة في السوق إلى أعمال الصرافة والتحويل في وقت كنا قلما نجد هذه الشركات، وإن وُجدت فلم تكن تتجاوز عددها أصابع اليد.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل يمكن اعتبار هذه الحالة صحية أم هي حالة طفيلية على الواقع الاقتصادي الذي أفرزته الازمة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من سبع سنوات.
“بكل تأكيد ما نراه اليوم في قطاع الصرافة هي ليست حالة صحية كما يجب وفق القواعد الاقتصادية السليمة في دول العالم، على العكس هي حالة متطفلة على الواقع الاقتصادي الذي أفرزته سنوات الحرب السبعة” قال الخبير الاقتصادي عامر الشيخ هلوش..
وأردف: ” كما هو معروف الواقع الاقتصادي السليم هو نتاج واقع سياسي سليم وصحيح، وحقيقة واقعنا السياسي متشرذم وضبابيّ منذ أكثر من سبع سنوات، وما نشاهده من هذه الظاهرة هي نوع من الفوضى التجارية في الأسواق وخاصة أسواق العملة والتي كانت مقوننة ومنظمة وفق أنظمة إدارية خاصة بمصرف سورية المركزي ووفق ضوابط صارمة جداً”.
وتابع هلوش:” ونتيجة الفلتان الأمني وما أعقبه من فلتان إداري أو سياسي أو اجتماعي ترافق بظهور ظواهر سلبية تمردت على النظام العام ومنها ظاهرة الصيرفة بشكلها السلبي والخطير بمنطقة الجزيرة، وعلى رأس ذلك دخول من ليس لهم خبرة فيها، مما يخلق إرباكاً وضرراً بدورة رأس المال المحلي”.
دور الجهات المعنية:
عملت الادارة الذاتية التي تأسست عام 2013 في شمال سوريا على إدارة شؤون المنطقة من خلال مؤسساتها المختلفة, ويحضرنا في هذا الشأن عمل هيئة المالية وهي إحدى هيئات الادارة الذاتية التي تهتم بالأمور المالية وتمويل مؤسسات الادارة الذاتية.
وعللت رمزية محمد الرئيسة المشتركة لهيئة المالية في مقاطعة الجزيرة في حديثها لصحيفة (Bûyer) ما يشهد قطاع الصرافة في مدن الجزيرة إلى حالة الحرب التي تعيشها المنطقة وازدياد التعامل بعملة الدولار. حيث فرضت الظروف القائمة الاعتماد على التجارة الخارجية والسبب الآخر عدم وجود جهات تراقب أعمال الصرافة نتيجة الازمة التي تعصف بالبلاد.
أصدرت هيئة المالية قانوناً ينظم عمليات التحويلات المالية والصرافة داخل مقاطعة الجزيرة وخارجها بعد تصديقه من المجلس التشريعي بموجب المرسوم رقم (13) حيث بلغ عدد مكاتب الصرافة المرخصة في مقاطعة قامشلو والحسكة (67) فيما بلغ عدد شركات الحوالات المرخصة (103) شركة.
انتقادات حول القانون الناظم:
تضمّن القانون تنظيم عمليات التحويلات المالية والصرافة داخل مقاطعة الجزيرة وخارجها بالعملات المحلية والاجنبية إحدى عشر مادة أثارت في بعض بنودها انتقادات.
يقول هلوش:” كل الأنظمة والقوانين التي أصدرت لتنظيم عمل الصيرفة بالمنطقة لم تقدم أو تأخر شيئاً، سوى أنها أخضعت الموضوع للضريبة المالية والمسألة الأمنية”
وأوضح أن الجهات المعنية لم تكن صاحبة خبرة ودراية كاملة بالأمور الاقتصادية المعقدة، بل أنها مارست فقط خطتها في هذا المجال بشكل تقليدي، وبالتالي لم تفضي الى أية نتيجة مرجوّة لتطوير الواقع الاقتصادي أو العمل على صنع تنمية مستدامة، ونتيجة قلة الخبرة لعبت هذه الجهات دوراً سلبياً وخاصة في منح تراخيص “لمن هبّ و دبّ” على حد تعبيره.
وأضاف: “منحت هيئة المالية الترخيص لمن لا يملكون محلات خاصة بهم، بل فقط يستثمرونها لمدة سنوية، وهذا لم يحدث في أية منطقة بالعالم, مما ساهم في تفاقم الوضع الصيرفي للعملة نحو المجهول”
كما انتقد هلوش تجديد الرخصة سنوياً بحسب ما ورد في مضمون المادة 11 من القانون الناظم لعمليات التحويل المالية والصرافة, حيث لم يجد له مبرراً حين يكون لدى صاحب الرخصة عنوان تجاري ثابت ومعروف، و”محل مُلك”.
ورأى بأن هذه المادة يجب أن تطبّق على الذين ليس لديهم “محل مُلك” بل يقومون باستثمارها، وهذا ما يشكل نوعاً من الخطورة على أموال العملاء.
فيما أكدت رمزية محمد أن القانون يلزم العاملين في هذا المجال بجميع القوانين والأحكام والتعليمات التي تصدر من المجلس التنفيذي وهيئة المالية, حيث يُلزِم البند التاسع والعاشر من المادة الرابعة للقانون الناظم إيداع مبلغ (50000) خمسون ألف دولار في خزينة المالية كمبلغ تأمين للبدء بممارسة مهنة التحويلات النقدية والصرافة، وإيداع مبلغ (5000) خمسة آلاف دولار في خزينته المالية كمبلغ تأمين للبدء بممارسة مهنة الصرافة فقط.
وأضافت:” هناك إجراءات أخرى تسطيع هيئة المالية وبالتنسيق مع اتحاد الصرافين اتخاذها في حال ورد أي نوع من الشكوى من قبل أحد المتعاملين نضمن من خلالها تأمين حقوق المتضرر أو الذي نُصِبَ عليه من قبل أحد المزاولين لمهنة الصرافة، ومرخص لدى هيئة المالية” .
من الاحتكار إلى مهنة عامة:
بعد التسهيلات التي قدمتها هيئة المالية تحوّل نسبة كبيرة من العاملين في أسواق مدن الجزيرة إلى مزاولة مهنة الصرافة والتحويل. في وقت كانت حكراً على القلة ممن يعملون في هذا المجال.
“عملي في هذا المجال كان صدفة دون أي تخطيط مسبق فلم أجد مهنة مناسبة أمارسها سوى الصرافة، ووجدتها أفضل من الأعمال الأخرى ولا تحتاج إلى مشقة” يقول ياسر خاني “صراف”.
وتابع خاني:” قبل الثورة السورية كان العمل في مجال الصرافة ممنوعاً, والشخص الذي لم يكن ميسور الحال ما كان بإمكانه, أن يحصل على ترخيص”.
أما عبد الكريم صبري الذي يعمل في مهنة الصرافة منذ سبعة أعوام. وكان يعمل بشكل سري قبل اندلاع الثورة، أما اليوم فقد تغيّر الحال, يقول: ” كنت أعمل بشكل سري قبل الثورة فلم يكن يسمح لنا بالعمل, وبدأت عملي في الصرافة بشكل علني بعد أن حصلت على الترخيص من قبل هيئة المالية التي قدّمت لنا الكثير من التسهيلات”.
على الرغم من الحركة النشطة التي يشهدها قطاع الصرافة والتحويلات في مقاطعة الجزيرة, تبقى هناك إشكاليات تفرض على الجهات المعنية الوقوف عليها ومتابعتها، كما تتطلب منها هذه التجربة الجديدة نوعاً من الدراسة والتقييم الشفاف, بغية طرح الحلول والمقترحات التي تصبّ في خدمة الاقتصاد المحليّ في ظلّ الظروف التي تمر بها عموم البلاد والمنطقة الكردية على وجه الخصوص.
نشرت هذه المادة في العدد /77/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/4/2018