أحدب عامودا

 

 

لأنني نحيف قليلاً، أقصد أني أشبه الفزّاعات في حقول الذرة تقريبا، كنت ألبس الكثير من الثياب. مثلا، جاكيت، كنزة صوف، كنزة عادية، كنزة عادية، كنزة خفيفة، كنزة خفيفة، شيال. وعلى القسم السفلي من جسدي بنطلون جينز، بيجامة، بيجامة خفيفة ، عنترلوك، شورت، أندروير”كلسون حشو”، فتظهر أكمام الكنزات بألوانها المختلفة فوق بعضها البعض كقوس قزح. كما أني لم أكن أستطيع الجلوس كثيراً، لأن رِجلي لا تُثنى. بقيتُ على هذه الحال إلى إن نصحني أحد الأصدقاء بدواء؛ عبارة عن إبرة غالية الثمن تؤدي إلى السمنة وزيادة الوزن في وقت قصير.

ذهبنا للطبيب الذي أمرني بنزع ثيابي، تحوّلت العيادة لمحل “باله” من كثرة الثياب. صرت عارياً، شبيهاً باليهود في معسكرات الموت أبان الحرب العالمية الثانية عام 1945. وقفتُ عند طرف سرير الطبيب والأندروير كاد أن يسلت مني، عظام صدري وعموديّ الفقريّ البارز كالديناصور “أبوتيبوليسس” من العصر التكريتي. تقدم الطبيب مني وبدأ يتحسس جسدي الهزيل:

– ممم إذاً، تلزمك إبرتان فواحدة لا تكفي.!

فحرّكتُ رأسي كحصان دونكيشوت موافقاً. تحسّس الكتف، الصدر، وشد على البطن بكلتا يديه فسَلَتَ الأندروير تحت تأثير الجاذبية لثقل وزنه، لأنه كان مصنوعا من قماش متين وبانتظار الفرصة ليتحرر مني. فلملمتُ نفسي بسرعة وانقضى الأمر. ضربني إبرةة وقال أن النتيجة بعد عشرة أيام، ستظهر بالتدريج وأردف قائلا وهو يفرك بالقطن مكان الإبرة في مؤخرتي: قد تنام قليلا فالدواء يسبّب النعاس. كنت أنام طيلة 20 ساعة والساعات البقية للأكل والشرب والمرحاض.

صرت كأهل الكهف ينقصني كلب وكهف، وأغطّ في نوم عميق مليءٍ بالأحلام. بعد أربعة أيام ظهرت البوادر، إذ أن مؤخرة رأسي ازدادت حجما باتجاه الرقبة للأسفل، زاد الحجم وتكتل اللحم في تلك المنطقة فقط. بعد أسبوع صار رأسي كرأس ثور البايسون الأمريكي فأحملهُ وأتحرّك به فيتمايل يمينة ويسرة.

جسد نحيل هزيل يحمل رأس ثور “بايسون”، كأن تضع الكرة الأرضية فوق قلم رصاص. راجعت الطبيب شاكيا حالي، فتحجج ببعض المصطلحات الطبية وأقنعني بأخذ إبرة أخرى لأصبح متجانساً، فوافقت.

 ظهر مفعول الإبرة الثانية في نهاية يديّ بالقرب من المعصم، وما بين الأصابع والأصابع، أصبحت يداي كجذع شجرة سروٍ وزاد وزنمها فصرت كأحدب نوتردام بسبب أدوية الطبيب.

 بحالي تلك، كان الناس يخافون مني، تصوّر أن تجد شاباً برأس ثور ويديّ هالك ” الرجل الأخضر” ويتحرك متثاقلاً، كيف سيكون المنظر?!

راجعت الطبيب مرة أخرى فأمرني بعدم النوم وعدم الأكل كي يتقلص حجم الكتل اللحمية. خفّ الورم اللحميّ رويداً رويداً، وتجانس رأسي مع جسدي، وكذلك أطرافي صارت أفضل.

كان أهلي يرددون دوماً: بمجرد أن تتزوج ستأخذ وزناً وتصبح سمينا، لا تقلق سيتحسن حالك اكيد!

بعد سنتين تزوجت من فتاة نحيفة أيضاً، كان أهلها يقنعونها بنفس الكلام ” بعد الزواج يَسمن المرء”. أي لعنة أصابتني? كنا حين نتدثّر باللحاف، لا تظهر أي سماكة تحتها.

تحوّلتْ هي بعد ستة أشهر لوحش، لدبّ قطبي، يأكل الأخضر واليابس. زاد وزنها بشكل لا يصدق، كان أذناها يغرقان في لحم رأسها بحيث يختفيان وأنت تنظر لوجهها من الأمام، تفيق من النوم تقصد دورة المياه، فتعرج على المطبخ، كانت ملازمة المطبخ، لا تخرج منه أبداً.

 أما أنا فقد بقيت على حالي، بل إنها “شفطت” ما تبقّى من لحم يكسوني. كنا إن ذهبنا لحفلة ما، أبدو كعمود خشبيّ أمام بناية، وإن دخلت حلقة الدبكة معي، فأنها تهزّ عشرة رجال على يمينها وعشرة على يسارها.

 مازال زواجنا مستمراً، أخطّ هذه السطور وهي الآن في المطبخ، تلتهم الدجاج، وأسمع طقطقة العظام جيداً.

نشرت هذه المادة في العدد /75/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/3/2018