تُجرى الكثير من الحوارات والنقاشات في جميع المحافل الأدبية الكردية حول صيغة الخطاب الذي لابد من التوجه إليه في الكتابة الروائية، وما إذا كان يراد بالنص الروائي أن يلقي الرواج في الأدبيات العالمية، ويحتل مكانة بارزة فيه، أم ينكفئ على ذاته ويتقوقع، ولا يعالج سوى الهم الكردي، والطموحات والأحلام التي يسعى أبناء المجتمع الكردي لتحقيقها، والتي لابد أن تعكسها الرواية الكردية في صلبها، بغض النظر عن لغة الكتابة فيها، بأية لغة كانت.
لكن المقصود هنا هو النص ذاته، وطريقة تناوله الواقع بأية وسيلة كانت، لأن الإلحاح على المحلية الكردية، والاتكاء عليها في كتابة نص روائي يأتي من كون هذه المحلية تساهم كثيراً في تأكيد الخصوصية والذاتية الكردية، ودعمها، ولها أهمية كبيرة في الحفاظ على التراث بأبعاده المختلفة، وسدّ الطريق أمام التقليد والضعف أمام قوة العالمية، ورياحها الخارجية، التي تقتل كل محاولة للإبداع، وتجعلها تنطوي على ذاتها، وتنشغل بالتقليد فقط، فتبتعد عن كل محاولة للانطلاق والتجديد والإبداع، وتجعلها تسير في مضمار العالمية فقط، وتنساق خلفها، وتنشغل بأفكارها وهمومها وتطلعاتها، ما يعني حتماً ضياع النتاج المحلي، وعدم القدرة على حمايته، واستبدال لغة وثقافة الوافد العالمية بها.
ومصدر الإشكال في هذه المعادلة السارية في تقويمات النقد للعلاقة بالأدب العالمي هو اللجوء إلى نوع من التعميم والتجريد، ذلك إن الخصوصية والمحلية غالباً ما تفترض وتستدعي حالات ومقولات تتبادر إلى الذهن دائما، وهي تتعلق بالموروث الثقافي والحضاري المتراكم عبر الأجيال المتلاحقة من الاحتفاظ بالعنصر الذاتي، وتقديس الهوية، وحمايتها من محاولات الطمس، وهذا يعني بالضبط أن العقلية الكردية التي تتمثل في النظرة إلى الماضي، وتقديسه وعشقه، والدوران في فلكه، وعدم الرغبة في الخروج منه، تبقى قاصرة؛ لأن الخروج منه بالنسبة للعقلية الكردية يعني الإساءة إلى حرمة الماضي المقدس، وتراثه الغني جداً، لأننا نسمع كثيراً، وفي مواقف كثيره عن غنى التراث بقصص وأحداث لا تنتهي، وتشكل منبعاً قوياً وغنياً للإبداع، والاستقاء منه، لكن الذي يقف خلف المحاولات الرامية من بعض الكتاب الكرد بالانفتاح على العالمية، والاستفادة من التجارب الغنية لكتابها في مجال الرواية هو أصالة اللغة، واقعية الواقع، الهوية والقيم التاريخية، لكنها بالمحصلة حالات لا تأخذ في اعتبارها التحولات العميقة التي اخترقت مجتمعنا منذ زمن طويل، والمفهوم القاصر عن معنى كلمة الثقافة أو المثاقفة، والتي تعني بالضبط الاستفادة من تجارب الغير، والاستقاء منها في شتى المجالات، بما يناسب واقعنا الكردي؛ من أجل التخلص من هذه الذاتية التي تضعنا أحيانا في إطار التقوقع، والتغرب عن العالمية، وإعماء البصيرة عما يجري حولنا، وهذا يوجب علينا إحداث نوع من التواصل بين المحلية والعالمية للتخلص من هذه الإشكالية، والارتقاء بالخطاب الروائي الكردي إلى مستويات عالية، لأن أدب (تولستوي-تشيخوف- ماركيز- كافكا- وكامو- نيكوس) وغيرهم، لم يكن إلا أدباً ممزوجاً بالطابع الإنساني، الذي نقل التجربة المحلية، وصبغها بصبغة عالمية إنسانية عميقة ورائعة.
نشرت هذه المادة في العدد /75/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/3/2018