*عبدالسلام محمد
“ معركة عفرين ستكون معركة الفصل لأردوغان، لا بل ستكون نهاية لطموحاته لطالما حلم بها بالسيطرة سياسيّاً و عسكريّاً على الشرق الأوسط و إظهار تركيا كقوة عظمة إلى جانب روسيا و أمريكا في المنطقة، و لكن كما يقال ” لِتلعب مع الكبار يجب أن تكون كبيراً “
بعد مرور سبع سنوات و دخولها العام الثامن, تتكشف ملامح الثورة السورية أكثر فأكثر، فكما تقول أمهاتنا و جداتنا عن المولودين حديثاً: إنّه لا يمكن التكُّهن بجمال الرضيع و لون بشرته، إلا بعد انقضاء فترةً زمنيّة معينة قد تكون شهوراً أو ربُّما سنين. فالأسمر قد تراه يبيضُّ، و ذو الشعر الأشقر قد يتحول إلى سواد و العكس يجوز أيضاً، و حتى بالطِباع النفسيّة و بالتصرفات حين يكون الصغير هادئاً مسالماً في أولى أيامه لكن يتحول بعدها إلى شقيّاً و مشاكساً يضرب هذا و ذاك و لا يجلب سوى المشاكل لأهله كلما تقدم في العمر؛ هذه هي حال الثورة السورية بعد مرور سنوات، فالثورة التي كانت تمثّل طموحات الشّعب السّوري نحو الحرية و الكرامة سرعان ما انحرفت بوصلتها باتجاه آخر, لتشوّه الثورة السلميّة التي نادت بالحرية و بالتغيير الديمقراطي لتمثّل بعدها أجندات دول ليست من مصلحتها دمقرطة سوريا و ذلك؛ من خلال التغلغل بين صفوف المعارضة و الذين بالأصل كان لهم نزعةٌ دينية متطرّفة، ممّا سهلت على تلك الدول كسبهم و توجيههم حسبما يريدون، و بالتالي لم تعد هناك شيء اسمها المعارضة، بل جماعات و كتائب مسلحة تتصالح تارةً و تتقاتل فيما بينهم تارة أخرى، و بذلك صرفت أنظارهم عن مقاتلة النظام و إسقاطه إلى محاربة أي قوة ديمقراطية ناشئة في سوريا.
و ما لمسناه و عشناه في السنوات السبع الماضية في مناطق الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة في الشّمال السّوري يؤكد أنّ أصحاب المشاريع الديمقراطية أصبحوا هدفاً للمجموعات المسلحة و المتطرفة و ما كانوا يُعرفوا “بالجيش الحر” سابقاً، فازدادت الهجمات من أطراف محددة في البداية كما كانت في مدينة سريكانيية -و بمساعدة تركية- على أساس أنّها كانت مخفية عن أنظار المجتمع المحليّ و الدوليّ، و لكن بفتحها الحدود بشكلٍ علني لتسهيل مرور المقاتلين من و إلى تركيا كانت جليّة للعيان، و بالتالي كانت افتتاحية للهزائم المتلاحقة لتلك الجماعات و داعميهم كالجيش و الحكومة التركيتين.
إذاً, التدخل التركي في الشأن السوري و محاولته زعزعة الاستقرار في المناطق الآمنة في الشّمال السّوري كان يرى ذلك من الضرورات الملحّة؛ لأنّ و على حدّ زعمه سيؤثر على أمنها القومي و الوطني في الدّاخل لما لها من تأثير بتأجيج الشّعور القومي للمكونات الموجودة في تركيا و خاصة الكرد, لذا تركيا حاربت و تحارب بشتى الوسائل أي مشروع ديمقراطي. و لا يخفى على أحد إلحاحها المستمر للمشاركة في محاربة الإرهاب الداعشي -على حدِّ زعمها- في الرقة, و لكن تم قطع الطريق عليها من قبل قوات سوريا الديمقراطيّة بتحالفها مع التحالف الدّولي بدلاً عنها, لأنّ تلك القوات كانت على دراية تامّة بخفايا و نوايا الدّولة التركيّة في مشاركتها في معركة الرقة؛ و هي تقطيع أوصال الشّمال السوري من ناحية و تعزيز من إمكانيات الدولة الإسلامية المنهارة بشكلٍ أكبر بعد خسارتها لمواقع مهمة مثل مدينة منبج و التي من خلالها تم إغلاق آخر مَنفَذ و منفس لداعش مع حدودها. و بعد أن قطعت الأمل في إحياء داعش في مدينة الرقة من جديد، ليهدد بها من تريد كما كانت سابقاً, تجهّزت بجيش و عتاد كبيرين للدخول إلى مدينة عفرين بعد أن طاف بأردوغان الكيل من رؤية هزائم الكتائب المسلَّحة المنضوية تحت اسم الجيش الحر و حتى داعش الذين دعمهتم تركيا طوال السنين الفائتة.
معركة عفرين ستكون معركة الفصل لاردوغان، لا بل ستكون نهايةً لطموحاته لطالما حلم بها بالسيطرة سياسياً و عسكرياً على الشرق الأوسط و إظهار تركيا كقوة عظمة إلى جانب روسيا و أمريكا في المنطقة، و لكن كما يقال ” لِتلعب مع الكبار يجب أن تكون كبيراً ” و إلا ستفقد بوصلتك و يؤدي إلى ما لا يُحمدك عقباه. و هذا ما يظهر للعيان ما آل إليه وضع أردوغان بعد مرور ثلاثة أسابيع من هجومه على عفرين.
مدينة عفرين و التي لا تقارن مساحةً بمساحة الدولة التركية الكبيرة إلا أنها أذهلت العالم أجمع بإصرارها على كسر هيبة الجيش التركي على جبال ” كرمنيج ” و حتى كل الأنظمة العالميّة التي غضت الطّرف عن عمليات العسكريّة التي لم تستهدف سوى البنى التحتية في عفرين و نواحيها, و كما كان للمدنيين و النازحين من كافّة مناطق سوريا لهم نصيب كبير في استهدافهم ضمن المدينة أو في مخيمات اللجوء.
عملية “غصن الزيتون ” و التي أطلق عليها الأتراك لاجتياح عفرين و احتلالها و تسليمها للمعارضة السورية المدعومة تركياً لم تكن بالمفاجئة لأهل عفرين أو من يحميها، كانت من توقعات قوات سوريا الديمقراطية الهجوم على مناطق الشمال السوري؛ لأن و بعد فشل الأتراك من متابعة تقدّمهم لأبعد من مدينة الباب و بعد رفض التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية من مشاركتها في عملية تحرير الرقة “عاصمة الخلافة ” لجأت إلى استخدام آخر أوراقها في الميدان السوري و هي الهجوم على عفرين في عملية تواطؤ إقليمي و روسي. الروس كما فعلوها مع الاتراك في صفقة مشبوهة في إفراغ المسلحين من مدينة حلب و ريفها مقابل احتلالها لمدينتي جرابلس و الباب و ذلك لإرضائها في سدّ الطريق لربط مناطق الشمال السوري مع بعضها و وصولها إلى البحر, عقدوا “صفقة عفرين” المماثلة باستبدالها بمدينة إدلب و ريفها لصالح النظام و حلفاءه، و خاصة في الأيام القليلة الماضية ازدادت رغبة روسيا في عقد هكذا صفقات عندما أرادت الانتقام من حلفاء امريكا في عفرين بيدٍ تركيةٍ بعد قصف أمريكا لحلفائها في ريف ديرالزور.
و لربّما نجحت تركيا في جرابلس و لكنها اصطدمت بجدار صلب و منيع في الجيب العفريني الصغير حيث خلطت أوراق المتآمرين على احتلالها و ضاربت مصالحهم و أجنداتهم، فعفرين ” حجرٌ” كسر رأس الجميع.
* أستاذ في جامعة روجآفا
نشر هذا المقال في العدد /74/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/2/2018