أ. نصر الدين إبراهيم *
“الأهم هو وجود منافس لا يقل عن الولي الفقيه خطراً, إنه السلطان العثماني, الذي يترقب الوضع في إيران بغبطة وحذر في آنٍ واحد, فسقوط إيران القوية, يتخيله أردوغان كخطوة أولى ليكون اللاعب والمتحكم الوحيد في الشرق الأوسط, دون أن ينسى احتمالية امتداد الثورة إلى داخل تركيا المتصدعة أصلاً, جراء السياسات العنصرية للسلطات التركية ضد الكرد ومختلف المكونات في تركيا“
تسارعت أحداث الصدام ” الفكري – السلطوي ” بشكل متسارع في دولة تعتبر من أقوى الدول الإقليمية, وأكثرها تأثيراً في مجريات المتغيرات الطارئة على الشرق الأوسط, وخاصةً بعد سنين مما عرف بالربيع العربي, والذي آل خريفاً, بعد صيف حارق لكل الآمال والأحلام, التي دغدغت مشاعر الشعوب المسيرة الثائرة في المشرق العربي, وذلك على الرغم من سقوط أنظمة دكتاتورية, دونما أي سقوط ملموس لفكرها الدكتاتوري في عقول وممارسات من خلفهم على العروش.
إنها إيران , هذه المرة …
الجمهورية التي بنيت في أعقاب انقلابٍ ديني, وطائفي, على نظام الشاه العلماني, ها هم أبناؤها الجياع والبؤساء تتعالى صيحاتهم المتمردة على كل ما تم ترسيخه في مفاصل إمبراطوريتهم لتؤول وبتخطيط فائق الدقة إلى ظلمات من الرجعية والدكتاتورية, فغدت أسيرة في سرداب الولي الفقيه ” خليفة الله والآمر باسمه “.
النظام الإيراني, فعلاً ليس مثل الأنظمة العربية, والتي شهدت أيضاً حركات انتفاضات وثورات ضدها, فهذا النظام له يد طولى متفرعة ومتشابكة في منطقة الشرق الأوسط, الأمر الذي يكسبه أوراق لعب وضغط كبيرة, قد تقيه من تحركات دولية وأممية مناهضة له, في حال تطورت الحركة الشعبية في إيران أكثر مما نشهد الآن.
ولكن, هناك نقطة مفصلية غاية في الأهمية, وهي الشعب نفسه, فالشعوب الثائرة من أجل قضاياها العادلة, لنيل حريتها واستعادة كرامتها ….لا بد أن لليلها أن ينجلي عاجلاً أم آجلاً, ونصرها مقترن بعدة عوامل هامة, منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي مرتبط بالخارج , وحتى إن سرقت الثورة فلا بد من أخرى تنقذها.
النظام الإيراني ومعاداته للقضية الكردية, ومحاولاته المستمرة على مرّ تاريخه في وأد أية محاولات للشعب الكردي لنيل حقوقه القومية, لم تتوقف للحظة واحدة, ليس في إيران وحدها, بل في كل أجزاء كردستان, وسعى جاهداً إلى إبرام معاهدات عدائية ضد القضية الكردية, مع الأنظمة الإقليمية, وخاصةً في سوريا وتركيا والعراق, وما العدوان السافر, والمؤامرة الإقليمية التي تعرض لها إقليم كردستان العراق في شهر أكتوبر من العام الماضي, إلا جزء من محاولات استهداف الكرد بقيادة النظام الإيراني, إضافة إلى التنسيق الشديد والمعلن مع النظام التركي والسوري والعراقي لإجهاض التجربتين الكرديتين في كل من سوريا والعراق ….
وعليه فإن أي نصر قد تحققه الشعوب الإيرانية في ثورتها الغضة, التي تجتاح أغلب المدن الإيرانية بشكل متسارع, سيكون دون شك له منعسكاته الايجابية على القضية الكردية في إيران, وسائر أجزاء كردستان الأخرى, لما لإيران من دور محوري في محاربتها كما أسلفنا.
تمكنت حركة التحرر الكردستانية, من الاستفادة من الفرصتين اللتين سنحتا لها في سوريا والعراق من انتزاع جزء من حقوق الشعب الكردي القومية, والتأسيس لكيانين كرديين بشكل من الأشكال, وبالرغم مما تشهده إدارة هذين الإقليمين من بعض النقاط السلبية, والتي لا بد من تجاوزها سريعاً, فإنه لا بد للحركة الكردستانية في إيران من الاستفادة منهما, كما أن توحيد صفوفها عسكرياً وسياسياً والعمل على تشكيل كتلة كردية إيرانية قد تجعل من الكرد, العامل الحاسم في مجريات الأحداث في إيران, ونقطة اعتماد وطني ودولي, ولتغدو كردستان إيران منطلقاً لتحرير إيران من الرجعية والديكتاتورية.
ولعل أولى المهام العاجلة المطلوبة من حركة التحرر الكردستانية, هي العمل سريعاً لعقد مؤتمر قومي كردستاني, لوضع استراتيجيات التحرك للمرحلة المقبلة.
في ظل استمرار وتطور الثورة الشعبية في إيران … سيكون العالم والشرق الأوسط أمام متغيرات مفصلية قد تفضي بالنتيجة إلى الاستقرار النسبي , فلبنان وصراعها الطائفي وهيمنة حزب الله على مفاصل الدولة بقوة السلاح الإيراني, واليمن, والبعبع الحوثي, المهدد لأمن الخليج, إضافةً إلى سيطرة إيران الفعلية على القرار وربما على الأرض أيضاً في سوريا والعراق, وتحكمها بكل التفاصيل, والأهم هو وجود منافس لا يقل عن الولي الفقيه خطراً, إنه السلطان العثماني, الذي يترقب الوضع في إيران بغبطة وحذر في آنٍ واحد, فسقوط إيران القوية, يتخيله أردوغانً كخطوة أولى ليكون اللاعب والمتحكم الوحيد في الشرق الأوسط, دون أن ينسى احتمالية امتداد الثورة إلى داخل تركيا المتصدعة أصلاً, جراء السياسات العنصرية للسلطات التركية ضد الكرد ومختلف المكونات في تركيا, وتدخلها في الشؤون الداخلية لسوريا والعراق ومصر والصراع الاسرائيلي الفلسطيني … وغيرها, إلى جانب دعمها المفضوح للإرهاب في سوريا, واستهدافها للقضية الكردية في كل من سوريا والعراق ….وهنا تبرز أهمية الدور الغربي في التعامل الإيجابي مع الأزمة الإيرانية المختلفة من عدة نواحٍ عن الأزمة السورية.
كل هذه التناقضات الداخلية والخارجية التي تعاني منها السلطة في تركيا لن تجعل مستقبلها القريب أفضل من مستقبل نظراء أردوغان من الطغاة في العالم.
التاريخ يكرر نفسه, ستنتصر الشعوب, وستسقط عاجلاً أو آجلاً كل رهانات الأنظمة المرتكزة على الحلول الأمنية والعسكرية, وعدم تقبل فكرة أن الشعوب لن تقبل طغاةً بعد اليوم.
ومن يزرع الشوك يحصده بيديه, وإن غداً لناظره قريب …
____________
*سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي )
صدر هذا المقال في العدد /72/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/1/2018