شيرزاد اليزيدي
اعتقـــدنا لوهلة أن آخر معاقل «داعش» الذي يدعي الخلافة قــــد سقط إثــــر تحرير الرقة على يـــد قوات سوريـــة الديموقراطية وبدعـــم التحالف الدولي، لكن لرئيـــس السودان الفريـــق عـــمر حسن البشير رأياً آخـــر، إذ خلال استقباله الرئيس التـــركي رجـــب طيـــب أردوغان وبما يشبه البيعة أعلن أن تركيا آخر معاقل الخلافة الإسلامية.
وهكذا، ها هي تركيا الأردوغانية الميممة وجهها نحو عمقها الحضاروي الإسلامي الشرقي، بعد سنوات من لهاثها خلف الاتحاد الأوروبي والغرب، تجني الغلال الوفيرة وتراكم الأرباح الاستراتيجية. فالخيار السلطاني النيوعثماني وجد صداه في السودان أو «سلة غذاء الوطن العربي» كما كنا ندرس في كتب الجغرافيا المؤدلجة.
فالانبهار السوداني كما عبر عنه البشير بنموذج حزب العدالة والتنمية وبشخص زعيمه مجرد حلقة في سلسلة النفخ في النموذج التركي على المستويين السلطوي والشعبوي في المنطقتين العربية والإسلامية. فأردوغان، والحال هذه، بات يخلف صدام حسين الذي لطالما وصف بسيف العرب والمسلمين وعزهم وحامي البوابة الشرقية، وكان مثالاً أعلى للبشير وغير البشير المتغني اليوم بآخر معاقل الخلافة الإسلامية تركيا، وبما تتمتع به من رمزية تاريخية لتوحيد الأمة، بحسب الرئيس الفريق الذي كانت بلاده نفسها قبل أعوام عرضة للتقسيم اثر استقلال الجنوب، وهذا فضلاً عن المشكلات البنيوية العاصفة بتركيا لجهة الصراع مع الكرد والحرب الشاملة عليهم، ومع التيارات العلمانية واليسارية عامة.
فالبلد النموذج والقدوة للأمة الهلامية يعيش أزمة هوية وجودية وانقسامات مجتمعية حادة وقضايا متفجرة في مقدمها القضية الكردية، وصولاً إلى النزوع الامبراطوري والسلطوي الفـــردي لأردوغان وحزبه ومحاولتهما تفصيل نظــــام رئاسي وتقليم «الديموقراطية» المقلمة أصلاً في البلاد والتي ترقى إلى مصاف ديمـــوقراطية شكلية بلا جوهر حقوقي ومؤسساتي ناظم وتعاقدي لكافة مكونات تركيا وشعوبها.
والحال أن أردوغان في بداية موجة ما سمي الربيع العربي تحول بالفعل إلى ما يشبه سلطاناً نيو عثماني في الأوساط الإخوانية والإسلاموية عامة التي انقضّت على الحراكات الشعبية وحرفتها نحو وجهات الأسلمة والعسكرة والتطييف، وها هو يستعيد بريقه بين أشباهه من قادة دول عربية وإسلامية حاول ذات ربيع مزعوم الانقلاب عليهم والإطاحة بهم لمصلحة بدائل إسلاموية تبزهم استبداداً وتسلطاً. فالرجل الذي تحطمت أحلامه في بسط السيطرة الإخوانية الإسلاموية على المنطقة من تونس إلى سورية، لعب دوراً محورياً في إجهاض أحلام التحول الديموقراطي لدى شعوب المنطقة أو أقله نخبها الديموقراطية، عبر إسهامه خصوصاً في تسعير لهيب الحرب المذهبية السورية وشروعه في ما بعد في بيع ما سمي المعارضة وبالتقسيط المريح من حمص وريف دمشق إلى حلب، وهي كانت تباعاً خطوطاً تركية حمراء تهـــاوت على التوالي كما أحجار الدومينو. فعراب الربيع العربي، كما كان يحلو للبعض وصفـــه، كان ولا يزال همه وشغله الشاغل وثابته الوحـــيد كيفية إجهاض التجربة الديموقراطية فــــي روج آفا كردستان- شمال سورية والتي هي مـــحدد حركات وسكنات أنقرة ومحور سياساتها.
وعليه ليس مستغرباً أن يتكرر مشهد الخرطوم الحميم الجامع للزعيمين الإسلاميين التركي والسوداني في دمشق، وأن نشهد عودة المياه إلى مجاريها بين أردوغان والأسد.
المصدر: الحياة