النقد الأدبي فن من فنون الأدب، وله دور كبير في تمييز الجيد من الرديء في الأدب، وإطلاق أحكام قيمة على النصوص الأدبية، وتبيان ما لها من سلبيات وإيجابيات، ولابد أن تتوفر لدى الناقد الذي يقوم بهذه العملية آليات عدة، منها القراءة والمطالعة بشكل مستمر، والاطلاع على الأعمال الأدبية، وامتلاك نظرة خاصة، وخبرة طويلة في هذا المجال؛ ليتمكن من إطلاق الحكم على النص الذي يتناوله، مع الإشارة إلى ضرورة التقيد بمعايير النقد ذاتها، والالتزام بالموضوعية في العمل، والابتعاد عن التجريح والإساءة، أو التقليل من قيمة النص وأهميته بشكل مقصود، أو غير مقصود.
ولا يستطيع الناقد أن يقوم بهذا الدور ما لم يكن هناك نتاج أدبي، وحركة أدبية نوعاً ما، وتوفّر الوعي لدى أبناء المجتمع بضرورة وأهمية الأحكام النقدية، وفهم مقاصدها وغاياتها؛ من أجل توضيح ما غمض من النصوص أولاً، وتبيان جمالياتها، سلبياتها، إيجابياتها وأهميتها ثانياً، وبالتالي تحقيق إقبال أكبر على النص، وخلق الثقة لدى الكاتب نفسه بأهمية نتاجه وقيمته، وفي معرض الإشارة إلى النقد في المجتمع الكردي، نجد هناك تدنياً في المستوى النقدي لدى المجتمع الكردي بشكل كبير، وقلة عدد النقاد، إن لم نقل انعدامهم أصلاً، وفي حال وجود البعض منهم، فإنهم يعانون من مصاعب كثيرة في عملهم، وأولها تتعلّق بتقبل الحكم، والرأي الذي يطلقه الناقد على العمل، واعتباره نوعاً من التجريح والإساءة الشخصية، واتخاذه ذريعة، ووسيلة للنيل منه ومن نتاجه، لذلك نجد بعض النقاد الذين يقومون بعملهم متحفظين جداً أثناء ممارستهم لعملهم، ويبتعدون قدر الإمكان عن إطلاق أي حكم يمكن أن يسبب له معضلات، ومشاكل كثيرة مع الكتّاب، قد تؤدي إلى القطيعة والشقاق، فنجدهم يمدحون في أكثر الأحيان، ويقومون بإعلاء شأن النص، وإعطائه المكانة التي لا يستحقها، ويجاملون كثيراً في ذلك، ونجد أكثر الذين ينتقدون النص لا يملكون الخبرة في ذلك، وليسوا مختصين أصلا في هذا المجال، ويمكن أن تطلق عليه تسمية قارئ، أو مادح للكاتب، ومساير ومجامل له فقط، وبالتالي لا يشعر بامتلاكه للحرية التي لابد أن تتوفر لديه من أجل القيام بعمله على أكمل وجه، وهذا بالضرورة، وبالنهاية يترك أثره الكبير في تراجع الأعمال الأدبية، وبقائها دون المستوى المطلوب؛ بسبب عدم وجود نقد أصيل يقوم بالفصل في هذه المسائل؛ لأننا نقبل في كثير من الأحيان على نصوص أدبية أعطاها النقاد أهمية كبيرة ما ساهم في رفع قيمتها، ومستواها الأدبي الذي ربما لو لم يكن النقد موجوداً لما نالت تلك القيمة، ولا تلك الأهمية، طبعاً مع الإشارة إلى قوة النص، متانته وترابطه.
لكن إن لم يتوفر له النقد السليم، أو تصدى له النقاد ربما، لما حصل على تلك المكانة العالية، وهذا أشبه ما يكون بالمسابقات التي تعقد أحياناً في أغلب الدول، وتمنح فيه الجوائز لنصوص ذات قيمة عالية، تطلق هذه القيمة ذاتها لجنة مكلفة بذلك، وهذه اللجنة بالطبع هي لجنة مؤلفة من مجموعة من النقاد الذين يتمتعون بنافذة وبصيرة قوية، وخبرة كافية في منح النص الجائزة، بصرف النظر عن الاعتبارات الأخرى التي تقوم بدروها في ذلك.
نشرت هذه المادة في العدد /71/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/12/2017