من الحديقة العامة نتجه نحو القمّة خطوة تتلوها خطوة، على ذاك الرصيف الإسمنتي المستطيل الأحجار تجاوزنا من يميننا مركز هانزا ذو الثوب الوردي الأحمر الجذّاب تتراءى بين المباني كأنها فتاةٌ حسناء في حفل خطوبة، تمرُّ من أمامك الطفلة ذو العشرة أعوام وبيدها عصيرُ كرزٍ قد دهنت بها شفاها الناعمة وبعضاً من وجهها، فتيات يَمشينَ معاً وكأنّهن باقة وردٍ تفوح رونقاً وبهجة يقصدن دورات الدراسة وهناك شابٌ جالس على درج هيئة البريد والكتاب تحت خاصرته يسترق النظر وبجانبه صديقه الغارق بهاتفه وأخر قد أشعل سيجارته وراح ينفخها ويشربها بمتعة، امرأة جالسة تحت غصن شجرة المبنى تطلب العون وفي هذه اللحظة بالذات ، امرأة أخرى أمامها، أعطتها النقود ودفعت عربة ابنها وتابعت سيرها في لحظة وداعٍ حارة بدعوات تلك المحتاجة، ثلاثة رجال تسابقوا إلى مسجد “زين العابدين “، إنه المغرب ..
ومع علوِّ الآذان بقول ” الله أكبر ” بصوت عبد الباسط الذي يخترق القلوب حتى ردّت شفاه المارة والذين في دكاكينهم وراءه الله أكبر وغدت تردد وراءه حتى انتهى وسارع المصلون إلى المسجد وبدأت الصفوف بالكمال، وذهبوا في رحلةٍ بين سجدةٍ وركعة، بينها تكبيرة وتحميدة .
نخرج من الجامع لنلبس الأحذية وبتنا ننزل درجة تلو درجة، نتبادل السلام مع شرطي المرور والواقفين في الدوار الذي يعجُّ بالسيارات التي تدور حوله، ها قد وصلنا لمحلّات الحلويات المشهيّة المصنوعة بأنامل قامشلوية شابة، الناس في تزاحم منهم مُشترٍ ومنهم متسوق والآخر فقط مراقب للأسعار ، والنظرات تُصدّرَ من عينٍ إلى عين، وعلى الطرف الأخر مطعم الشاورما باللون الأحمر البهي، نحن الآن في السوق حولنا الصاغة ومحلات الملابس الحضارية وكذلك محلات الموبايلات والموالح وغيرها من سكان السوق ..
جاء الليل وغطّى مدينتنا بلونه المعتم وكحّل عين القامشلي بالكحل الأسود وأصواتُ أبواب الدكاكين تتبع بعضها حين إغلاقها فإنّه حان وقت الذهاب للمنزل، والأهالي الآن في افتراق، منهم من شغّل سيارته والثاني ركب دراجته النارية وتوجهوا للمنزل وهم جائعون حقيقة والثالث سعى إلى كراج التكاسي وحجز لنفسه مكاناً في السيارة الصفراء التي يقودها سائق تطاول عليه العمر وهو يعمل عليها منذ خمسة عشرة سنة ،أما الرابع فضّل المشي وهرولَ بخطواته ، لم يبقَ في السوق إلّا قلّة من الدكاكين المفتوحة والأشخاص الساهرة إلى أواخر الليل، أمّا البقية فهم قد غطوا في نومٍ عميق بعد تعب يومٍ كامل ..
وهكذا تتقلّب الأيام وتتداول في مدينتنا وعلى أهلها الكرام ، تحمل لهم بين تنفس الصبح وتعسعس الليلِ أملاً مرتقباً في الغد وصبراً جميلاً على الحالي وصموداً صنديداً في مواجهة الحياة .. .