فتيات كرديات ينشطن في حملة واسعة لدعم البيشمركة

 

 

 

 

 

الأكراد تجمعهم الأفراح، كما توحدهم المحن، فهم المعروفون بحبهم للفرح، ويجيدون التعبير عن أنفسهم بالغناء والموسيقى والدبكات الشعبية، وولعهم بالطبيعة، كذلك هم الأشهر بين مكونات الشعب العراقي بالقتال للدفاع عن أرضهم وحقوقهم، وهذا ما كلل قتالهم عبر عقود من الزمن بانتصار ثورتهم، التي قادها الملا مصطفى بارزاني، والحصول على حقوقهم وتأسيس إقليمهم شبه المستقل، كردستان العراق، كما وضعهم ذلك في مقدمة المشهد السياسي العراقي بفضل سياستهم المتوازنة وروح التسامح التي يتمتعون بها.

أحد أبرز مصادر فخر الكردي هم قواتهم «البيشمركة» التي قاتلت لعشرات السنين في الجبال. كما يفتخر مقاتل البيشمركة بانتمائه إلى هذه القوات، كما يفخر الشباب بأنهم أبناء جيل من مقاتلي البيشمركة العنيدين، لهذا نجد هنا في مدن إقليم كردستان فعاليات كثيرة لدعم هذه القوات، فعاليات تعبر عن انتماء جيل من الشباب للبيشمركة، كما يحدث اليوم في مدينة السليمانية حيث تطوعت 13 فتاة لتكوين فريق لجمع التبرعات للقتلى من قوات البيشمركة التي تقاتل ضد قوات «داعش».

وتقول هانا برزنجي (19 سنة) لـ«الشرق الأوسط» التي التقت بها مع فريقها قرب أحد المراكز التجارية وسط السليمانية: «قررنا أن لا نجلس ونراقب الأحداث دون أن نقدم شيئا لقوات البيشمركة التي تقاتل قوات (داعش) دفاعا عنا وعن الإقليم، لهذا شكلنا هذا الفريق لجمع التبرعات المادية وتقديمها لعوائل البيشمركة، واخترنا عوائل فقيرة جدا، وبحاجة إلى دعم مادي سريع»، مشيرة إلى أنه «ليست هناك أي جهة تدعمنا أو حزب أو منظمة نرتبط بها، بل إن الحملة شبابية ومستقلة تماما».

تضيف هذه الفتاة الطموحة قائلة إن «حملتنا المتواضعة هذه، التي بدأت منذ أسبوع، لا تعني أن الجهات المعنية هنا وحكومة الإقليم لا تهتم بعوائل شهداء البيشمركة، بل على العكس من ذلك، لكننا أردنا أن نفعل أي شيء يظهر انتماءنا للإقليم ولهذه القوات»، مشيدة بالدعم الكبير والتعاطف الحقيقي الذي أبداه الناس معنا، ونعتقد أننا جمعنا مبلغا كبيرا، وسنعرف غدا (اليوم) كم بلغ بعد أن نفتح الصناديق حيث تتوزع مجموعتنا على ثلاثة مراكز تجارية، ونقوم ببيع القمصان التي تحمل جملة «نحب البيشمركة»، كما أن واحدة من فريقنا تغني للوطن وللمحبة وللبيشمركة، ونرسم علم إقليم كردستان على وجوه الأطفال».

وقالت: «هذه أول مراحل حملتنا، ونفكر بتطويرها وتطوير برامجها، وقد ينضم إلينا شباب لنكون فريقا مختلطا، شابات وشباب».

الإعلام الكردي، المقروء والمسموع والمرئي، خصص مساحات نشره وبثه عن فعاليات القتال في الجبهات لنقل أخبار إنجازات البيشمركة، وقتالهم ضد «داعش»، إضافة إلى بث لقاءات وأحاديث حية مع قادة ومقاتلي البيشمركة، تتخللها أغانٍ وأناشيد وطنية تتغنى بحب كردستان وشحذ همم المقاتلين والناس.

وهنا لا مجال للحديث مع أي مواطن كردي، مهما كان انتماؤه السياسي دون الإشادة بانتصارات وجهود البيشمركة، التي أعلن المئات من الشباب، خاصة طلبة الجامعات والموظفين، عن تطوعهم للقتال ضد «داعش».

شيرين، طالبة في جامعة السليمانية، أبدت استغرابها من السياسيين العرب، خاصة أعضاء البرلمان العراقي وقادة الكتل السياسية الذين «تحصنوا بمواقعهم ببغداد، ولم يكلفوا أنفسهم زيارة جبهات القتال واللقاء بالبيشمركة أو زيارة مخيمات النازحين، مع أن غالبيتهم من العرب أو من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الاتحادية»، مشيرة إلى أن «غالبية هؤلاء السياسيين يأتون للإقليم، إما للحصول على دعم قيادته لهم في الحصول على مناصب حكومية، أو الوصول إلى البرلمان، مع أن الغالبية منهم يقيمون أما في أربيل، أو السليمانية، وعوائلهم تشعر بالأمان».

وقالت: «بعض هؤلاء المسؤولين، وتعني العرب، في البرلمان، أو الحكومة العراقية، نقل عائلته إلى عمان وبيروت عندما شعروا أن ثمة خطرا يحيق بالإقليم عندما اقتربت قوات (داعش) من حدودنا»، مطالبة «حكومة الإقليم بعدم السماح لهم بالعودة إلى الإقليم».

ولا يخفى على المتتبع للأمور هنا استياء بعض الشباب الكردي من الشباب العرب أو الحضور العربي، ويقول سالار، وهو سائق سيارة أجرة: «أنا متطوع مع قوات البيشمركة وأنتظر استدعائي في أي وقت، بينما الشباب العرب هنا، الذين نزحوا ومنذ سنوات إلى مدننا لم يبدوا أي تفاعل أو تعاطف معنا، هم يسهرون في النوادي الليلية، ويقضون أوقاتهم في المراكز التجارية وأبناؤنا يقاتلون (داعش)»، مشيرا إلى أن «العشائر العربية داخل حدود الإقليم وحوله هم من خاننا وناصر (داعش) ضدنا».

وفي هذا الموضوع، قال الدكتور فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان: «بالفعل، شعرنا بمخاطر اشتباكات بين الشباب الكردي والعربي، بل إننا لمسنا تحركا بهذا الاتجاه، مما دفعني وبتوجيه من قبل السيد مسعود بارزاني رئيس الإقليم للظهور على شاشات التلفزيونات الكردية لأنبه إلى أن العرب العراقيين هم ضيوفنا وضيوف مسعود بارزاني، وأن أي تحرك أو مشاعر معادية ضدهم سيكون موجها ضدنا وضد أسلوبنا في التسامح والتعايش، وبأن العراقيين هم إخوتنا في الوطن»، مشيرا إلى أن «هذا التوجه هدّأ كثيرا من الاحتقان، الذي نحن في غنى عنه، كما أن تصريح السيد رئيس الإقليم بأن العرب السنّة أهلي، ومن يتصرف ضدهم كأنما يتصرف ضدي» هدّأ الكثير، و«جعل الأمور طبيعية».

وكلما توغلنا في المناطق القريبة من محاور القتال، خاصة باتجاه الموصل من جهة محافظة دهوك، يتحول المشهد إلى اللون الكاكي والفعل العسكري، شاحنات تنقل المؤنة والأسلحة والعتاد العسكري إلى الخطوط الأولى من القتال، حافلات وسيارات تابعة لقوات البيشمركة تقل مقاتلين يتوجهون إلى الجبهة، وكلما مروا قرب تجمعات سكانية تلقوا التحيات وإشارات النصر، ويجري التلويح لهم بعلم إقليم كردستان».

قيادي كردي بارز، قال لـ«الشرق الأوسط»، مفضلا عدم ذكر اسمه: «لقد وحدت هذه المواجهات العسكرية بين مقاتلي البيشمركة وقوات (داعش) الإرهابية من وحدتنا الداخلية، وجعلتنا نؤمن أكثر، مواطنين ومسؤولين سياسيين، بقوة بأهمية إقليمنا، وأن نتعامل بالمزيد من الثقة مع أبناء شعبنا سواء كانوا مع الحكومة أو معارضين لها، لأننا اليوم في موقف واحد ومحنة واحدة ضد الإرهاب».

ومع كل هذه المشاهد، إلا أن الحياة تجري داخل المدن بشكل طبيعي والحياة تجري على وتيرتها؛ ففي السليمانية، المدينة الثانية في الإقليم، يبدو كل شيء طبيعيا، لكن هندرين حكمت موسيقي كردي، يقول: «ما تأثر كثيرا هو الوضع الاقتصادي بسبب معاقبة الحكومة المركزية ببغداد للإقليم بقطع الميزانية وحرمان الموظفين من رواتبهم»، مشيرا إلى أن ذلك «يكاد يشل الحركة الاقتصادية تماما»، وقال: «أما بقية فعاليات حياة الناس، فهي طبيعية تقريبا، رغم أن غالبية الشباب يقاتلون الآن في الجبهات لدرء خطر إرهاب (داعش) عن مدننا».

عن الشرق الأوسط