لم يكن (م. أحمد) /35/ سنة، يعلم أن خروجه في ذلك المساء من منزله، سيتسبّب بإصابته برصاصةٍ طائشة مجهولة العنوان، هي المرة الوحيدة التي يتعرض فيها لإصابةٍ من هذا النوع، بعد أن اخترقت رصاصةٌ من سلاح كلاشنكوف كتفه الأيسر وهو جالسٌ في أحد منتزهات السياحي بمدينة قامشلو، حينها كان يسمع أصوات العيارات النارية بكثافة، احتفاءً بتحرير مدينة الطبقة على يد قوات سوريا الديمقراطية.
في الليلة ذاتها، سُجلت /3/ حالات مماثلة لما تعرض له (م. أحمد) بفارق منطقة الإصابة، فكانت الإصابات المتبقية إما في البطن أو في الخاصرة، وكلها ناتجة عن رصاصاتٍ بعنوانٍ مجهول.
النزاع المسلح تسبّب في حيازة الأسلحة:
ازداد استخدام الأسلحة، بمختلف أنواعها، بكثافة في مناطق روجافا، بعد تحوّل المنطقة إلى ساحةٍ للنزاع المسلح، مع ولادة تنظيماتٍ إسلامية مسلحة تقاتل باسم الدين وتسعى لفرض سطوتها على مناطق كردية، في مقابل تصدي قوات سوريا الديمقراطية لتلك الهجمات وما نتج عنها من تطويع الشباب الكرد ضمن صفوف التشكيلات العسكرية التي ساهمت بشكلٍ أو بآخر في انتشارٍ أسرع للأسلحة لدى كل عائلة، فكان اللجوء لإطلاق العيارات النارية الطريقة المُثلى لأبناء قامشلو وباقي مناطق روجافا، للتعبير عن مظاهر الابتهاج عند كل انتصار على المجموعات الإرهابية، كما حدث نهاية فبراير شباط 2015 بعد سيطرة وحدات حماية الشعب على ناحية تل حميس جنوبي قامشلو، كذلك منتصف آب أغسطس 2016 عند تحرير مدينة منبج، أيضاً بداية أيار 2017 لحظة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مدينة الطبقة، وأخيراً منتصف اكتوبر تشرين الأول 2017 عند الإعلان عن تحرير الرقة، ناهيك عن بعض الحالات الخاصة التي تتعلق بتشييع بعض شهداء وحدات حماية الشعب.
الجهات المُختصة غير قادرة على ضبط ظاهرة إطلاق العيارات النارية:
على الرغم من مساعي الجهات المختصة في الإدارة الذاتية المتمثلة بهيئة الداخلية والقيادة العامة لقوى الأمن الداخلي- الأساييش، لمنع ظاهرة إطلاق النار في الهواء أثناء الاحتفالات؛ إلا أن ممارسة ذلك السلوك مستمر، والحوادث التي تتسبب بها لا تتوقف عن تصدر مواقع الأخبار وصفحات ناشطي الفيسبوك، وتوجيه انتقادات لاذعة لمُخالفي القوانين أولاً؛ ولوم الجهات المختصة ثانياً لعدم الجدية في التعامل مع تلك الحالات المخالفة للقوانين النافذة.
ويرى “إبراهيم عبد الحميد” /من أبناء حي الغربي- قامشلو/ أن هناك بدائل كثيرة قد تحلّ محل إطلاق النار في الهواء بشكلٍ عشوائي، ويقول: «التعبير عن الفرح والسرور يجب ألا يكون على حساب إنسان آخر».
ويتابع: «التعبير عن فرحة الزواج أو بانتصار فريقٍ رياضي لا يتمثل بقتل إنسانٍ آخر، أو حتى الحزن على شهيد لا يجب أن يكون مرتبطاً بإطلاق العيارات النارية في السماء».
بينما يتحدث “طارق علي” /30 سنة من حي الهلالية- قامشلو/ ممازحاً، «المسألة قد لا تكون ابتهاجاً بالفوز والانتصار، بل هي استمتاع صاحب السلاح بأزيز الرصاص وهو يخرج من فوهة سلاحه الجديد الذي اشتراه، وما يفعله ليس إلا لاختبار صلاحيته».
تعميمات الأساييش بمنع استخدام الأسلحة في المناسبات تذهب أدراج الرياح:
شروط منح رخصة حيازة السلاح لا تتعدَ إبراز مجموعة أوراق وطوابع:
تضع الجهات المختصة في معظم الدول الغربية والعربية، شروطاً لمنح ترخيص حمل السلاح، أولها توضيح أسباب حيازة السلاح (مثل استخدامه للصيد أو حتى هواية جمع الأسلحة) ولا يُقبل مبرر “الدفاع عن النفس” لمنح الترخيص.
في حين أن الحصول على ترخيص حمل السلاح في روجافا (بحسب قانون الترخيص) لا يتطلب سوى تقديم مجموعة من الورقيات والطوابع الشكلية، دون السؤال حتى عن سبب حيازة السلاح.
كما يتضمن قانون ترخيص الأسلحة بـ روجافا، السماح لطالب الترخيص بحيازة سلاحين مختلفين في آنٍ معاً.
أما الأمر الأكثر جدلاً، فهي الحالات التي تستوجب سحب الرخصة وفقاً لقانون الترخيص، الذي ينص على الآتي: «في حال ضبط السلاح مع غير صاحبه تُسحب الرخصة ويصادر السلاح، أما إذا كان هذا الشخص من أقرباء الدرجة الأولى للمرخَّص له فقط يحجز السلاح، وهنا يجب القيام بإجراءات فك الحجز».
وأيضاً يقول القانون: «في حال استعماله لغير الغرض المرخص له (الدفاع عن النفس) تسحب الرخصة ويصادر السلاح».
وبحسب مكتب ترخيص السلاح في أساييش روجافا، فإنه لم يتم سحب رُخص السلاح إلا في حالاتٍ نادرة.
ويرى “ح. مراد” /25 عاماً من أهالي قامشلو/ أن هناك إمكانية استئصال ظاهرة إطلاق العيارات النارية في الهواء، في حال تم تطبيق القانون على جميع المواطنين دون استثناء.
ويصف “ج. عبد الرحيم” ظاهرة إطلاق العيارات النارية، بالتخلف الحضاري والثقافي والأخلاقي لدى كل من يستخدم السلاح بذلك الشكل.
ويقول: «إنها ظاهرة تكشف عيوب الإنسان ونقاط الضعف في شخصيته، فلو كان غير ذلك، لما لجأ لإطلاق النار في الهواء، إنها ظاهرة تشكّل تلوثاً جسديًّا ونفسيًّا».
فيما يعتبر “د. قاسم” أن تلك التصرفات نابعة وناتجة عن متابعة الأفلام والمسلسلات التي تحضّ على العنف وتُغذّيه لدى شبابنا، خاصةً أولئك الذين تسربوا من المدارس أو فشلوا في متابعة دراستهم وباتوا عاطلين عن العمل».
ظاهرةٌ ليست غريبةً عن المجتمع الكردي، بعد أن كانت موجودة قبل عقودٍ من الزمن، ففي معظم المناسبات كان إطلاق الرصاص في الهواء حاضراً دون رادع أو محاسبة، لكنها تقلّصت شيئاً فشيئاً، قبل أن تعود مُجدداً خلال خمس السنوات الأخيرة وتنتشر أكثر من ذي قبل بسبب ما تتعرض له البلاد من حربٍ تتجاوز حدود الأوطان.
نشرت هذه المادة في العدد 68 من صحيفة Buyer تاريخ 1/1/2017