فراس الضمان
ماتَ أبي، ولم أبكِ !! … احترقَتْ السوقُ القديمة في حلب، ولم أبكِ، …. سترحلُ فيروز، و لن أبكي !!…. ولكنْ، البارحة… البارحة تحديدًا، في بيت ٍحميم ٍ في طرطوس، وبينما كانت طاولةُ السهرةِ تسيرُ كالمعتاد… أنا، و لؤي الحاج صالح، وفارس حميدي، وعلاء الناصر، وغيابُ عبدالله ونوس!! وزجاجاتُ العَرَق مبعثرةٌ كأرواحنا!! تُرفَعُ كأسٌ، فتَتبَعها أربعٌ، كإوزَّة ٍوفراخها!! مقاطعُ للماغوط، ورامبو، ورياض الصالح الحسين، تعني – كالمعتاد – أنَّ النهرَ اقتربَ… اقتربَ كثيرًا من المَصَب!!…. وفجأةً، ظهَرَ صباح فخري… ظهرَ صباح فخري على شاشةِ [اللابتوب]… حفلة جار القمر في بيروت، صباح فخري، يصدحُ كالغزال!! وحسناوات بيروت، يُرفرفنَ حولَهُ كقلوبنا!!… وهنا سادَ صمتٌ طويل، [طويلٌ كشجر الحَور!!]… تَوقَّفَ النهر، ذبلَتْ سجائرنا، مالتْ كؤوسنا!! ومِن دونِ اتفاق، وبتوقيتٍ واحد ٍوقَفنا… وقفنا جميعًا، أنا… القادمُ من كروم سَلَمية ، سَلَمية الماغوط ، وعلي الجندي، ومنذر الشيحاوي!! سَلَمية التي [لسنابلها أطواقٌ من النَّمل، ولكنَّها لا تعرفُ الجوعَ أبدًا!!] …. وفارس حميدي… القادمُ من قلعةِ حلب، مِن مارع… من حقول العدس، المبلَّلة بالغبار ودموع رياض الصالح الحسين!!… وعلاء الناصر… القادمُ من حوران، من سهولِ حوران الحمراءِ كعيوننا!!… ولؤي الحاج صالح… صاحبُ الأرض، والزمان، والمكان، طرطوس… طرطوس… سعدالله ونوس، وأنور بدر، ورشا عمران، وأرواد الشامخةُ في سماء قرطاج!!… طرطوس، حبَّةُ الزيتون… حبَّةُ الزيتون التي بدمعةٍ واحدةٍ تُصبحُ خمرةً !!… وغيابُ عبدالله ونوس يضُمُّنا… يضمُّنا جميعًا!!… وقفنا، ودموعنا الطويلةُ السمراء، بصوتٍ واحدٍ كانت تقول: أنا سوريا … أنا سوريا، الكعبةُ الجريحةُ البيضاء!!… أنا سوريا، الممتلئةُ نعمة ً!! …. أرفضُ أن أموت، أرفضُ أن أنتهي إلى المَصَبّ!
نشرت هذه المادة في العدد (67) من صحيفة Buyerpress
بتاريخ 21/10/2017