Buyerpress
أغلب البالغين، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، يتعلمون من أخطائهم في الحياة، سواء أكانت هفوات يومية يمكن تلافيها في المرة اللاحقة أو أخطاء كبيرة تترتب عليها حوادث مصيرية من شأنها أن تغير حياتهم إلى غير ما كانت عليه قبل ارتكاب الخطأ. لكن، هل يسري هذا الأمر على الأطفال؟ بمعنى هل يمكن للطفل أن يستثمر أخطاءه فلا يعود إليها ثانية، بل يتعلم منها؟ وما جدوى العقاب؟ وما هي عواقبه الوخيمة على النمو النفسي والعاطفي للطفل؟
يعتقد الكثيرون أن عقاب الطفل، سواء أكان بالتوبيخ أم بالحرمان من الامتيازات وأحياناً باستخدام الضرب الخفيف الذي يعتبره البعض عقوبة بسيطة شكلية وغير مؤذية للأطفال الأصغر سناً، يمثل الخيار الأخير لهؤلاء سواء أكانوا آباء أم مربين أم معلمين، للسيطرة على موجات الغضب والسلوك السيء للصغار الذين يفقدون السيطرة أحياناً على أنفسهم، فيتصرفون خارج إطار النظام ويظهرون القسوة والعناد والعدوانية ربما.
وقد ينتهج بعض الأطفال سلوكا عدوانيا جدا في المحيط الاجتماعي (المنزل أو المدرسة أو أماكن اللعب…) الأمر الذي يستدعي من الكبار اتخاذ إجراءات عاجلة لكبح جماحهم وترويض عدوانيتهم، وقد يؤدي هذا التصرف المستعجل إلى ارتكاب الأخطاء أيضاً من قبل الكبار، سواء في اختيار طريقة العقاب أو في ما يتعلق بمدته وشدته.
وفي جميع الحالات، فإن العقوبات التي تتأتى بسبب غضب الوالدين من سلوك الطفل، لا يمكن أن تترتب عليها نتائج جيدة على المدى البعيد. وعلى الرغم من أنها تكون عقوبات رادعة في لحظة ارتكاب الخطأ، إلا أنها قد تأتي على حساب احترام الطفل وتقديره لذاته على المدى البعيد.
وترى الدكتورة دونا ماثيوز، المديرة المؤسسة لمركز كلية “هنتر” التعليمي للدراسات الخاصة بالموهوبين، في جامعة مدينة نيويورك الأميركية، أن هناك عواقب تسميها “العقوبات المنطقية” التي تتأتى بسبب الخطأ الذي يرتكبه الطفل أياً كان مستواه؛ فالعاقبة المنطقية للطفل الذي يرفض ارتداء المعطف الخاص بالمطر -وهذه المسألة شبه شائعة بين الأطفال في جميع الأعمار- تتمثل في الطبيعة والظروف الجوية السيئة والممطرة التي تعد أفضل وسيلة للعقاب، حيث أن عدم الراحة والبلل الذي يصيبه يجعلانه يلوم نفسه ويعاقبها، وقد يتعلم من خطئه هذا بتجنب الخروج مجدداً دون ارتداء المعطف، والتخلي عن العناد.
وعلى الرغم من ذلك تورد ماثيوز قائمة من العقوبات أو أساليب العقاب (المنطقية)، لمعالجة السلوك غير المرغوب فيه من قبل الأطفال والصغار الذين لا تتجاوز أعمارهم السابعة أو الثامنة. ولعل أهمها يكمن في عدم إظهار غضبنا أمام الصغار، ويجب أن نتذكر دائماً أنهم أصغر منا بكثير في الحجم والعمر ولذلك فإن أي نوع من أنواع الغضب يمكن أن يفسر من قبلهم بأنه يحمل تهديداً مبطناً بالعنف، وسنكون في نظرهم الوحش الشرير في الحكايات.
كما ينبغي أن نبقى في تواصل مع الطفل ولا نعاقبه بابتعادنا عنه عندما يسيء التصرف؛ فجعله منبوذاً ومعزولاً لفترة قد يكون نوعا من التأديب المؤقّت لكنه يؤثر سلبا في نفسية الطفل ويترك أثراً سيئاً على المدى البعيد، ويفضل أن يكون الخطأ فرصة له للتعلم وتقييم سلوكه فيما بعد خاصة إذا كان في سن صغيرة وتحديداً في السنوات الخمس الأولى من عمره، فغالباً ما يكون الطفل في هذه السن المبكرة غير مدرك لمدى الخطأ الذي ارتكبه وغير واع به
كخطأ. لهذا يتحتم علينا كآباء أن نستمع إليه وأن نحاوره بحب واهتمام ونحدثه عن الأسباب التي تجعلنا نرفض سلوكه ولا نتقبل تكراره.
وفي الغالب، يلجأ الأطفال إلى المشاكسة في محاولة للفت انتباه الآخرين، وهذه حقيقة يعرفها علماء نفس الطفل، سواء أكان السلوك الخاطئ مقصوداً أم عفوياً، فالسلوك السيء يحمل رسالة مفادها أن الطفل بحاجة إلى الحب والرعاية والاهتمام أو هو تذكير للوالدين بوعد أو هبة أو واجب تجاه الطفل لم يقوما به بشكل مناسب، وهذه هي طريقته في إيصال رسالته؛ سلوك غير مهذب، عناد أو غضب غير مبرر.
والأهم من كل هذا، ينصح متخصصون بأن يكون اللجوء إلى العقاب أياً كان نوعه بصورة تضمن خصوصية الطفل وتجنب توبيخه أمام الآخرين سواء كانوا غرباء أو من المقربين، لأن للطفل الصغير أيضا كبرياء وعزة نفس يمكن أن يجرحها عدم الاحترام ومعاملته معاملة سيئة.
وتقترح عالمة النفس جين نيلسون أن النتائج المترتبة على السلوك السيء للطفل يجب أن تنطوي على بعض الشروط، منها أن يكون العقاب ذا صلة بالسلوك، وأن يتم تجنب إلقاء اللوم والتأنيب بشكل مذل له، وأن يكون معقولاً ومقبولاً وبمستوى الخطأ إضافة إلى أن يكون مفيدا في تعزيز السلوك الجيد.
والأفضل من كل هذا، أن يتم إشراك الطفل في اختيار عقوبته من وجهة نظره وهذا الأمر متبع في بعض الحالات، حيث يمتلك بعض الصغار وعياً نسبياً لتدارك الخطأ واختيار عقوبة ذاتية يجدونها قاسية بما فيه الكفاية، للتكفير عن ذنوبهم.
ويفضل بعد ذلك التركيز على الفعل السيء وليس على فاعله (الطفل)، وعواقبه المنطقية وليس العقاب، فالعقاب لذاته بدون توجيه أو مراعاة أو رعاية لسلوك الطفل المستقبلي، يمكن أن يولد لديه شعوراً بالاستياء وهو بالتالي سيعمل على تفريغ شحنات هذا الشعور في شكل غضب وثورة.
العواقب المنطقية التي تدار بهدوء وحكمة، يمكنها أن تجعل الطفل يشعر بمسؤولية أكبر إضافة إلى شعوره بالأمان. ومع ذلك، فإن العواقب المنطقية لا تسري في جميع الحالات، وهي ليست دائما الطريقة المثلى، ففي بعض الحالات لا يحتاج الطفل سوى إلى العناق وإظهار الحب
المصدر: العرب اللندنيّة