الخرس الزوجي ضيف ثقيل يلجم ثرثرة الزوجات

العرب اللندنيّة  – Buyerpress

تعد ظاهرة صمت الزوجين فيما يشبه الخرس هاجسا يؤرق الكثير من النساء ويقض مضاجعهن ويهدد العلاقة الزوجية بالفشل، وربما ينتهي الحال ببعض الزيجات إلى الانفصال الجسدي ثم يليه طلاق بات.

القاهرة – تبدأ بعد سنوات طويلة من الزواج واعتياد الطرفين لرؤية بعضهما البعض لفترات متواصلة سحابة من الصمت تخيم على الحياة الزوجية وتفرض سيطرتها على الطرفين محدثة تباعدا نسبيا بينهما.

وتزداد المسألة صعوبة مع عدم وجود اهتمامات مشتركة أو رؤية متقاربة تجاه بعض القضايا الخاصة والعامة، وتطفو ظاهرة الخرس الزوجي على سطح العلاقة وتبدأ الشكوى تشقّ صدر العلاقات الدافئة خاصة حين يتدخل الأهل والأصدقاء وبعكس ما يرغب أحد الطرفين في الحل، تتعقد الأمور وتسير بخلاف كل التوقعات وتنتعش المشكلات التي كانت صغيرة ويتأزم الوضع بصورة كبيرة.

ويعدّ صمت الزوجين أو أحدهما ظاهرة لا يخلو منها بيت تقريبا، مع اختلاف الشرائح العمرية والدرجة العلمية والثقافية والظروف البيئية، وقد تدفع بعض الفتيات المقبلات على الزواج إلى العزوف عنه تماما خوفا من الفشل متذرعات بتجارب عديدة في محيطهن العائلي.

وتعاني المرأة أكثر من الرجل من عذاب الصمت وآثاره النفسية كونها أكثر ميلا للتعبير عن ذاتها ومشاعرها بالحديث المباشر، واللجوء دائما إلى الفضفضة التي لا ترى لها متنفسا غير شريك الحياة، كونه الأقرب جسديا ونفسيا، ولكنها تصاب بإحباط وخيبة أمل شديدة جراء لجوئه للصمت.

ويلجأ فيما يشبه الخيانة اللاشعورية أحد الطرفين أو كلاهما لتكوين صداقات مع الجنس الآخر بغرض الفضفضة والتنفيس عن مكنونهما الداخلي وتتفاقم المشكلة مع المرأة في تفريغ شحناتها العاطفية حال وقوعها في صداقة مع رجل يعاني هو أيضا من فراغ عاطفي، ما يمثل ضغطا عليه وزيادة الأعباء على المرأة بدلا من تحقيق الراحة والهدوء النفسي بوجود صديق للفضفضة.

وغالبا ما يستغل بعض الرجال من ضعاف النفوس هذه الحالات لدى المرأة التي يهملها زوجها ويحاول تقديم صورة مثالية للصديق، ويبتز المرأة ماديا ومعنويا، وهو ما يفضي إلى تشتيت العلاقات الزوجية.

حين يصمت أحد الزوجين ولا يطيق الكلام مع الطرف الآخر لا بد أنه يفكر في شخص آخر خارج العلاقة ذاتها، ومن يصمت قد يكون خائنا أو مشغولا بحب جديد وعلاقة جديدة. بهذه الكلمات وصفت أسماء الكتبي أستاذة الجغرافيا بدولة الإمارات ظاهرة الخرس الزوجي.

وأضافت “كما قد يكون أحد الزوجين يعاني من مشكلة كبيرة سواء في العمل أو خاصة بالأهل، ولا يريد إقحام الطرف الآخر في المشكلة أو إزعاجه بها، فيقع الصمت لفترة ربما تطول، وقد يصبح الصمت عادة بعد فترة”، مشددة على أن هذه الظاهرة لا يمكن وصفها بالطلاق الصامت، لأنها ترى أن الطلاق يكون ظاهرا وواضحا ولا يمكن مداراته خلف ستار آخر، فالخرس هروب من الحياة المشتركة، ويكون خفيا عن أعين الشريك والأهل.

وترى الكتبي أن “الروتين وضغوطات الحياة واختلاف الطباع تؤدي أيضا لقتل الحديث المشترك”، وعلى عاتق الطرفين تقع مسؤولية تجديد نمطية الحديث وخلق مساحة مشتركة للحوار واختيار الأوقات المناسبة والرائقة ولا ينسى أحد الطرفين أن اختلاف طبع كلّ منها عن الآخر قد يكون داعيا لضعف أوجه الحوار. وعن تجربتها الشخصية تؤكد الكتبي حرصها الدائم على تجديد نمط الحياة بينها وبين زوجها لتحقيق حالة مزاجية عالية تدفعها لتجديد دماء العلاقة الزوجية وبث الكثير من الحب وتقبّل الظروف المتغيرة المحيطة والحفاظ على مستوى متوازن من الحب والاحترام، مشيرة إلى أنها تلجأ للسفر وتجديد نمطية الحياة والخروج عن المألوف قدر الإمكان، شريطة ألا يكون التغيير شكليا فقط وإنما يكون تجديدا للمضمون كذلك.

الرجال يشكون الخرس أيضا

يرى محمد عبدالحليم، موظف مصري، أن ضغوط الحياة كثيرة والبحث عن تقديم رفاهية أفضل للأسرة يفرض نفسه على الرجل دائما، وهذا ما يحاول فعله، وبالتأكيد هذا الوضع يدفعنه للعمل الإضافي لتحسين دخل الأسرة، خاصة مع وصول أبنائه لمراحل تعليمية مختلفة وزيادة أعباء الحياة، وهذه الحال تدفعه في الكثير من الأحيان إلى قلة الكلام مع زوجته.

قال عبدالحليم لـ”العرب”، “أعود للمنزل منهكا جراء يوم عمل طويل تصل ساعاته إلى 15 ساعة يوميا، وأنا متعب كليا وبحاجة للراحة والهدوء، مطالبا زوجته وكل الزوجات بتقدير ظروف عمل أزواجهن وتهيئة المناخ الملائم للراحة الجسدية والنفسية، مع تحمل بعض مشاكل الأبناء عنه وعدم الضغط عليه تقديرا لما يعانيه من جهد نفسي وجسدي لتوفير حياة كريمة وأكثر رفاهية لأسرته”.

ونفى أن يكون صمته عائدا لأسباب تخص النساء أنفسهن مطالبا الزوجة بعدم الحديث بصيغة إلحاحية تنفّر زوجها منها أو صيغة الأمر التي تشعر الزوج كونه مجرد آلة لتنفيذ رغبات الأسرة، لكن بذل المزيد من الحب والتفهم للدور الذي يقوم به، معوّلا على ذكاء المرأة في التعامل مع المشكلات اليومية البسيطة التي تواجه الأسرة وحلّها بعيدا عن الأب، حتى يتفرغ هو لمهامه خارج المنزل مع اللجوء إليه في الأمور الكبيرة التي تعجز هي عن حلها.

وأكد مدحت حلمي، طبيب عيون مصري، أنه يعاني نفس المشكلة مع زوجته، مع اختلاف السبب، فهو دائم القراءة والاطلاع ولديه ثقافة واسعة وفهم لكافة القضايا السياسية والاجتماعية التي تعج بها صفحات الأخبار في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، أما زوجته الحاصلة على مؤهل عال فقد فضلت عدم العمل، ووجهت جهودها لرعاية البيت والصغار، ولا تجمعها بالكتاب أيّ علاقة من أيّ نوع ما يوسع الفجوة بينهما، ويقضي على فرص الحوار أو حصرها في شؤون الأسرة والصغار والتسوق الذي يراه مضيعة للوقت.

وأضاف لـ”العرب”، “حاولت معها بشتى الطرق لجذبها إلى عالمي دون جدوى، أريد أن تعمل فكرها فيما هو أهم من مجرد تلبية حاجات الأولاد والبيت، وأن توسع معرفتها بالأحداث، فليس من المعقول والمنطقي أن أتحدث إليها في قضية سوريا وضياع وطن بأكمله، لأفاجأ بها تشكو من ارتفاع أسعار الطماطم والبطاطس”.

وتابع “أبدأ حديثي معها: ليتك تقرئين كتاب ‘كذا وكذا’ لأجدها ترهق أذنيّ بأسعار حفاظات الأطفال وإسطوانة الغاز، ومع تقديري الشديد للدور الهام والحيوي والمفصلي الذي تقوم به في حياتي وحياة أبنائي إلاّ أنّني فقدت الرغبة في فتح قنوات جديدة للحوار في ظلّ سطحية الحديث بيننا وضحالة المناقشات”.

ويحمّل المهندس الشاب إسلام هاني المستوى الاجتماعي الراقي لأسرة زوجته مسؤولية انقطاع الحديث بينهما وسدّ قنوات الحوار، إذ تختلف اهتمامات كلّ منها عن الآخر بشكل مبالغ به فهي ابنة أسرة مرفهة للغاية سافرت إلى كل دول العالم تقريبا، ولا تفكر في غير الاستمتاع بكل دقيقة من وقتها غير عابئة بشيء آخر، المتعة هي هدفها الأوحد، أما أنا فابن أسرة مكافحة متوسطة الحال، ألوذ بالصمت لعدم جدوى الحوار.

وقالت ليلى كامل، مهندسة مدنية، “ليتني كنت الأستاذة صفاء لأحظى بما تحظى به من اهتمام زوجها بها، وتطربني كلمات المديح والمجاملات الرقيقة التي دائما ما تكون من نصيبها هي ولست أنا، فرئيسة زوجي في العمل “الخمسينية البدينة”، تستمتع باهتمامه وثنائه على أناقتها واختياراتها وروعة حديثها، أما أنا فنصيبي الصمت الذي يصل حدّ الخرس التام”.

ولم تكن معاناة كامل مع زوجها بعد 21 عاما من الزواج فريدة من نوعها، إذ تشكو وضعا متكررا مع الكثير من النساء بعد زواج طويل تخطت سنواته عمر جيل كامل، لكن كامل تشكو اهتمامه بزميلات العمل والثرثرة معهن عبر الهاتف لساعات، في حين يقتصر حديثهما اليومي على دقائق قصيرة.

وقالت فتاة عشرينية حسناء لم تتزوج بعد “لم أتزوج لأحكم على الخرس الزوجي بالسلب أو الإيجاب، لكنني أرى أن الاهتمامات المشتركة وإن كانت هامة لإنعاش الحديث بين الزوجين إلا أنها قد تؤدي بالحديث دائما للسير في خط مستقيم، لكن الاختلاف في وجهات النظر واختلاف نوعية عمل الزوج عن حقل عمل زوجته قد يخلق مناخا أفضل لتبادل الأفكار والرؤى”، مضيفة “أنا من النوع الذي لا يصمت أبدا”.

صمت محمود

شددت منال كابش أستاذة طرق التدريس في المركز القومي للمرأة (جهة حكومية مصرية)، على أنها “اختلف مع العديد من الآراء التي تعتبر الصمت بين الزوجين مشكلة، فهو من الممكن أن يكون علاجا قويا ويسدّ باب المشاكل والخلافات، وأراه صمتا محمودا أو صمتا برضا، عوضا عن الانفصال الرسمي بين زوجين فقدا المبرر القوي للبقاء معا في علاقة زوجية ضاعت مقوماتها”. وقالت “تستحيل الحياة فيضطرّ كل طرف للبقاء مع الطرف الآخر تحت سقف واحد مع طلاق جسدي ونفسي حفاظا على هيكل العلاقة، فالخرس الزوجي أو الصمت بين الزوجين ظاهرة صحية في بعض الأحيان في ظل التغيرات العالمية، مع فارق كبير بين المجتمعين العربي والأوروبي، فالمجتمعات العربية تحافظ على الأسرة ككيان اجتماعي”.

أما المجتمع الغربي فقد يكون مباحا فيه تكوين علاقات خارج إطار الزواج، وفي ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة ولجوء الزوجين إلى أكثر من عمل لتوفير متطلبات الأسرة المادية عليهما الاتفاق على مناقشة الأمور الهامة لعطلة نهاية الأسبوع في تهيئة مزاجية تسمح بتبادل الآراء.

وترى ناديا بوهناد، استشارية نفسية ومؤسسة ومديرة مركز سيكولوجيا للاستشارات والتدريب بالإمارات، أن “عدم الحوار غير صحي وقد يؤثر بالسلب على الحياة الزوجية، والصمت بين الزوجين ظاهرة واسعة الانتشار وصادفتني خلال عملي بالاستشارات النفسية، هي ظاهرة موجودة في كافة دول العالم لأن الزوجين بعد فترة يعتاد كل طرف منهما على وجود الآخر فيبدأ الملل يدب إلى جنبات البيت ويقل معدل الحديث وتتضاءل المتعة أو تزداد حدة المشكلات والضغوطات في العمل والحياة ومحيط العائلة الكبيرة”.

وأوضحت أنها “تفرّق بين نوعين من الخرس، الأول حين يكون كلا طرفين من الأصل قليل الكلام وفي الغالب يكون الرجل، فالمرأة أكثر حديثا ومحبة للكلام، وهذه النوعية يكون الخرس معها حتميا، والنوع الثاني الذي يصمت نتيجة الملل فيجب اللجوء لاستشاري علاقات زوجية ونفسية للوقوف على أبعاد وحدود المشكلة وكيفية الحل، مع تغيير نمطية الحياة حتى لا ينجرّ الطرفان إلى فتور العلاقات، من خلال تعديل المرأة لطلتها كل فترة والرجل كذلك، حتى يسعدا معا”.

ونصحت بتوفير بيئة جاذبة لحياة زوجية هادئة دافئة بدلا من الصدام وهذا ما يدفع بعض الرجال للتعدد أو تكوين علاقات خارج إطار الحياة الزوجية.

وأكدت سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن المجتمع المصري يضجّ الآن بحالات كثيرة ونماذج متعددة للخرس الزوجي تصبّ جميعها في بوتقة واحدة وتنصهر معلنة رتابة وتكرار الروتين اليومي وتشابه الأيام مع بعضها، حتى أن “الخرس يعدّ ضيفا طبيعيا وإن كان ثقيلا على غالبية الأسر خاصة مع التقدم في عمر العلاقة الزوجية، فتصبح المواقف متشابهة وردود الأفعال من الطرف الآخر متوقعة ومحسومة مسبقا، لذا قد ينصرف أحد الطرفين أو كلاهما إلى إدارة شؤون البيت دون الرجوع للطرف الآخر”. وأضافت “هو عرض طبيعي جدا مع طول العشرة وعدم السعي لتقليص الفجوات بين الزوجين”.

وقالت إنها “تطالب الزوجين بضرورة فتح أحاديث وحوارات جانبية خاصة على مائدة الطعام فهذا الوقت مناسب جدا وتكون الأسرة في حالة هدوء نفسي وتجتمع من أجل قضاء وقت مشترك سعيد، كما على الزوجة التعامل مع شح الكلام بأنه عرض طبيعي جدا وطارئ على كل البيوت، وليس مشكلة كارثية تتوقف عليها عجلة الحياة، وعليها التعامل بذكاء مع هذا الأمر بتجديد الحياة كل فترة لأن سعادة وهناء الزوجين تنعكس بشكل كبير على حياة الأبناء ودرجة إنتاجهم وإبداعهم.

وتابعت خضر “كذلك درجة التحصيل الدراسي والتحقق الذاتي فعليها تغيير نمط الحياة من جديد دون ملل أو كلل باصطحاب الأسرة لقضاء أوقات سعيدة خارج المنزل للتنزه وتناول عشاء أسري يكسر روتين الحياة، أو إدخال السرور على جميع أفراد الأسرة بدعوة الأهل في نطاق ضيق وإقامة حفل منزلي بسيط مع التجديد والتغيير في أماكن وضع قطع الأثاث وتعديل وضعية غرفة الطعام كونها أكثر مكان تتجمع فيه الأسرة”.

وأوضح أحمد عصمت استشاري نفسي مصري، للـ”العرب”، أن الخرس الزوجي يعني انعدام الرغبة في التحدث إلى الطرف الآخر.

وأشار إلى أن دراسة للهيئة البريطانية للأبحاث المجتمعية تبين أن نسبة الخرس الزوجي تزداد بمعدل 3 بالمئة سنويا وهو مرتبط بقسوة الحياة المادية والاقتصادية، ويوجد بصورة أكبر في العالم العربي بما يمثل 45 حالة من كل 100 حالة زواج، مؤكدة أنه يبدأ بعد أول 5 سنوات من الزواج، أو 7 أو 10.

وأرجع عصمت أسباب الخرس الزوجي إلى تعكر المزاج وسوء الحالة النفسية وفقر التوافق الفكري بين الطرفين وسوء الظن المستمر مما يسد الباب أمام أيّ حوار، وكذلك عدم إحساس كل طرف بالآخر وتدعيمه والوقوف بجانبه في المواقف والأحداث الصعبة.

وعن العلاج شدّد على الطرفين بالتحلّي بالصبر والإنصات والتفهم والنظر للطرف الآخر بعين الرحمة والصبر والحب، مع تجديد العلاقات بالسفر والقيام بالأعمال المشتركة والتحدث عبر الهاتف لإظهار الاهتمام ولو برسالة لطيفة.