أستاذ سوري يستعيد وظيفته الجامعية في ألمانيا

 

 

وكالات- Buyerpress

انتقل كمال الحاج من كونه عميداً لكلية الإعلام في جامعة دمشق ليصبح أكاديمياً مستقلاً في بيليفيلد، وهي مدينة تقع في شمال ألمانيا. لكن الأستاذ البالغ من العمر 46 عاماً يرى أن رحلته تدور حول التطوير الوظيفي أكثر من كونه مجرد لاجئ نمطي.

 

لا يبدو خروج الحاج أمراً غريباً، حيث أن ما يقرُب من 20 في المئة من أساتذة الجامعات في سوريا قد تركوا وظائفهم خلال الحرب، بحسب عاطف نداف، وزير التعليم العالي. وفي كلية الإعلام، ترك ربع الأساتذة البلاد.

 

انتقل الحاج إلى ألمانيا قبل 20 شهراً تقريباً تاركاً خلفه عائلته وأصدقائه في دمشق، فضلاً عن ما يزيد عن 15 عاماً من الخبرة في البحوث الإعلامية. ولم يتخذ قراره إلا بعد التفكير في جميع خياراته المتاحة في سوريا.

 

قال “أنا أعتبرها رحلة بحث أكاديمي في الخارج. شعرت بأن البحوث الأكاديمية في سوريا لم تعد تستحق الكثير بعد الآن. غادرت البلاد لتطوير نفسي مهنياً وأكاديمياً.”

 

مباشرة بعد تخرجه من قسم الصحافة في جامعة دمشق عام 1992، بدأ الحاج مسيرته الإعلامية.

 

وفي سن الحادية والثلاثين، تخرج من جامعة القاهرة حاملاً شهادة الدكتوراه في البحوث الإعلامية بأطروحة ركزت على “تأثير مواد الإنتاج التلفزيوني الأجنبية على البرامج الثقافية في قنوات التلفاز السورية والمصرية.”

 

اكتسب الحاج شهرة جيدة في جامعة دمشق عام 2011 بصفته عميداً لكلية الإعلام. فعلى الرغم من أن غالبية الأساتذة السوريين يوصفون ببعدهم عن الطلاب وعدم تواصلهم معهم بصورة شخصية، إلا أن الحاج كان أول عميد يبدأ صفحة على الفيسبوك حيث يمكن للطلاب الكتابة له بشكل مباشر. وكان يطلق عليها “اتصل بعميد كلية الإعلام كمال الحاج”.

 

قال علاء إحسان، الذي تخرج من الكلية عام 2013، “لقد اعتاد على كتابة ومشاركة المنشورات بنفسه. وقد ذهبت إلى مكتبه أكثر من مرة، ووجدته بسيطاً ومحترماً.”

 

كان التعامل مع شكاوى الطلاب في الكلية المفتوحة حديثاً من بين العديد من المشاكل التي كان على الحاج التعامل معها. إذ كانت الكلية قد انفصلت عن قسم الصحافة السابق وتم منحها استوديوهات بث مجهزة تجهيزاً كاملا للطلاب ليتدربوا فيها، لكن أحداً لم يكن يعرف كيفية استخدامها.

 

قال الحاج “كان لدى الأساتذة تخصصات غريبة، حيث أن اثنان أو ثلاثة منهم يركزون على تقنيات الإعلام. تبين لاحقاً أن ذلك يعني “كيفية تشغيل الجهاز وإيقافه.”

 

وبصفته عميداً للكلية، قام الحاج بحث الجامعة على توفير التدريب للمهندسين المعينين حديثاً حتى يتمكنوا من إرشاد الطلاب في مهارات مثل الإضاءة وتحرير مقاطع الفيديو وتشغيل الكاميرات. كما قام بترتيب شراكات بين الجامعة ووسائل الإعلام الخاصة للمساعدة في إعداد الطلاب للوظائف، حيث لم تكن هناك دورات تدريبية في السابق.

 

قال “كانت تلك الدورات التدريبية بمثابة مبادرات فردية من دون تعاون حقيقي بين الجامعة وتلك المرافق. وكانت تقتصر على تعريف الطلاب بالمرافق، وليس تدريبهم حقاً على الإعلام والإنتاج الصحفي.”

 

كانت معظم دروس الصحافة في جامعة دمشق نظرية، ولم يُقدم سوى القليل جداً من التدريب الصحفي حتى مع وجود الاستوديوهات الجديدة. ومن بين أسباب ذلك كون الأساتذة الذين يدرسون الصحافة يفتقرون للخبرة الصحافية. فمن الناحية القانونية، لا يمكن للأساتذة الانتماء إلى نقابة الصحافيين. وقد استاء معظم الأساتذة من محاولة تغيير المناهج الدراسية.

 

قالت نهلة أبو رشيد، وهي زميلة سابقة للحاج، “كان جاداً، ويعمل لساعات طويلة، وكانت لديه رغبة في تحديث الكلية. لكنه كان هجومياً بعض الشيء وصارماً للغاية. لم نستطع فهم أن هذه هي الطريقة التي يتوجب عليه أن يتصف بها وألا نأخذ الأمر بشكل شخصي.”

 

كانت مكتبة الكلية فارغة في البداية. قال الحاج “كانت مكتبة جميلة وحديثة، لكنها تفتقر لأية كتب.” وبهدف ملء رفوفها، قام الحاج بجلب كتبه وطلب من وزارة الثقافة توفير البعض الآخر. لكن بعد سنة من إنهاء العميد الشاب لمدة ولايته في المنصب البالغة عامين، اختفت معظم الكتب، على يد الأساتذة والطلاب على ما يبدو من دون أن ينتبه أحدٌ لذلك.

 

وعندما سئل عما إذا كانت حياته في خطر في سوريا، فضل الحاج عدم الرد، لكنه أصر على أنه لو كان قد بقي هناك، فإنه كان سيواصل التدريس بالطريقة النمطية السابقة.

 

غادر الحاج دمشق إلى بيروت، قبل أن يستقل الطائرة إلى اسطنبول، في خريف عام 2015، عندما لم تكن تركيا تطلب تأشيرات لدخول السوريين. ووصف رحلته بالقارب من الشاطئ التركي إلى اليونان بأنها “آمنة ومريحة”. وكان الأصدقاء والأقارب السوريون في انتظاره لتقديم المساعدة عند وصوله إلى ألمانيا.

 

بعد عامين تقريباً من رحلته إلى أوروبا، وجد الحاج نفسه في لجنة التقييم الأكاديمي لطالب ماجستير كان يشرف عليه، كجزء من عمله في الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك.

 

التقى الحاج بالطالب من خلال الإنترنت، حيث كان في جنوب تركيا، فضلاً عن اثنين آخرين من أعضاء اللجنة، وهم يستخدمون أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم في ستوكهولم وبغداد. وكان الطالب أنس الكردي قد تخرج من جامعة دمشق قبل سبع سنوات وكان في السابق أحد طلاب الحاج.

 

قال الكردي، الذي تتحدث أطروحته عن تغطية قضايا اللاجئين على محطات التلفزة العربية، “منحني وجود الأستاذ كمال دفعة تحفيزية للاستمرار. كنت أقوم بكتابة أسئلة نصية له على تطبيق الواتساب، ولم يستغرق أبداً أكثر من 24 ساعة للرد.”

 

الحاج واحد من سبعة أساتذة سوريين في الأكاديمية. قال وليد الحيالي، مؤسس الأكاديمية العربية المفتوحة، “بدأ عدد الأساتذة السوريين في الأكاديمية بالازدياد، وأنا أعتمد عليهم أكثر من غيرهم. إن ثقتي بالحاج تزداد كل يوم.” بدأت الأكاديمية عملها عام 2005 عندما هربت موجة من اللاجئين العراقيين إلى أوروبا. تدرّس الأكاديمية باللغة العربية إلى حد كبير ولا تزال تسعى للحصول على الاعتماد الدولي.

 

يستغرق العمل كأكاديمي في ألمانيا وقتاً طويلاً، فقد كان الحاج بحاجة إلى أن يتحدث الألمانية بطلاقة أكبر. فعند التقدم للوظائف، وصف لغته الألمانية بأنها مقبولة أو akzeptiert. اجتاز الحاج اختبار المستوى اللغوي اللازم لدورة إدماج اللاجئين في ألمانيا، لكنه يحتاج إلى تحسين طلاقته في اللغة من أجل التدريس والكتابة بالألمانية. كما أنه احتاج إلى ثمانية أشهر لتكون شهادته السورية مقبولة في ألمانيا. تشير وثيقة المعادلة الآن إلى “إن الدرجة الأجنبية تعادل شهادة الدكتوراه الألمانية”.

 

العودة إلى سوريا يوماً ما أمر محتمل بالنسبة للحاج، لكنه لا يعرف متى سيكون ذلك ممكناً.

 

قال “المجتمع الألماني جيد جداً. إنه يحب العمل المنظم، ويحترم الآخر ويستند إلى الجدارة. لا أزال في بداية مسيرتي الأكاديمية والبحثية.”