عبد المجيد محمد خلف
التميز بين الثوابت الحقيقية والخاطئة، بين الاستقامة والحنيفية، ضرورة ملحّة، لدى قراءة أي نص يقع بين أيدينا، وخاصة بالنسبة للناقد الذي يدرس النص بكل أبعاده، وتجلياته، ويخرج لنا عند الانتهاء من قراءة ذلك النص بمجموعة من أحكام قيمية ثابتة، ترغّب القارئ إلى النص، وتشدّه إليه، عبر تلك الآليات، والوسائل التي استعملها في قراءته للنص، فأخرجه من التقعّر، والرمزية، إلى الواقع، وأزال عنه الشبهة، والغموض الذي يكتنفه، وجعله سهلاً مستساغاً للقارئ، الذي يقبل عليه بشوق، استناداً إلى تلك الدراسة التي قام بها الناقد؛ لأنه يصبح المرجع، أحياناً في إعلاء قيمة النص، أو التقليل من قيمته؛ لذلك لابد من أن يكون الناقد عين الحقيقة، وعين النص، وينقل تلك الحقيقة إلى متلقيه، الذي يجعله منبراً له، في إطلاق أحكامه على أي نص، فتكون كلمته كلمة الناقد، وحكمه حكم الناقد نفسه..
وسهلت وسائل الإعلام من هذا الأمر كثيراً، وأخذت تلعب دوراً كبيراً في ذلك، فأخذت تعمل على الرفع من مستوى الكثير من النصوص، إلى حد المبالغة، وجعلها، وجعل صاحبها الكاتب الأول والأخير، وارتقت بنصه إلى درجة عالية، حتى ليظن الكاتب نفسه بأنه يستحق بالفعل تلك المكانة التي بلغها، طبعاً عن طريق وسائل الإعلام، وأنه صار في المقام الأول، دون أن يدرك أن الحكم الذي تناوله بالنقد كان حكماً خاطئاً في بعض الأحيان، وأنه أساء إليه بدلاً من إعطائه المكانة التي يستحقها أدبياً، فجعلته يعيش في وهم الأنا المتعالية على النقد، والمستعصية على الأحكام، وخاصة من قبل القراء، فما دام قد أعطي زمام المبادرة، والحق في متابعة الطريق الذي مهده له النقد بأحكامه الخاطئة، وذلك التصور، والفهم المغلوط، والوهم الذي أوقعه في دائرة، قرّبته إلى الموت مع نصه، الذي حكماً، وطبيعياً، سيموت، ولن يكتب له الخلود، والبقاء؛ لأنه دخل في دائرة الخطأ.
فقد يقابل نص غني بتلق قليل، وهذا بالطبع لا يقلل من قيمته، والعكس صحيح أيضاً، فقد يقابل نص فقير بتلق كبير، وهذا أيضاً لا يزيد من قيمته، وكم سمعنا عن نصوص لم ترَ النور إلا بعد وفاة أصحابها بفترة من الزمن، وهذا لا يعني أنه كان فقيراً، ولا قيمة له، وكم ضاعت نصوص وفقدت مكانتها بعد وفاة أصحابها، فالموضوع إذاً، هو أن النص الغني لم يتيسر له النقد الكافي، ولا الأداة التي تساهم في رؤيته النور، وهذا ما يفرض بالطبع على الناقد واجباً رئيساً عملياً، وهو أن يأخذ بعين الاعتبار الوسيلة الإعلامية، وأن يضمنها الأحكام الحقيقية التي تؤدي بدروها إلى الارتقاء بالنص، وإعطائه حقه..
وهذا الأمر ماثل أمام أعيننا، فنرى الكثير من القراء يتبرمون من حكم أطلقه أحد النقّاد في أية صحيفة، أو مجلة تصدر يومياً، أو دورياً، تعطي قيمة مطلقة لنص كاتب، لا يستحق تلك المكانة التي أعطاها إياه، ولا النص الذي أشار إليه، يستحق ذلك الحكم، لذلك لابد أن يدرك الناقد أنه أمام مسؤولية كبيرة، وأنه يتحمل الوزر الكبير في ذلك؛ لأنه يساهم مع وسيلة الإعلام تلك إلى الحط من شأن أية كتابة، وأي كاتب، ويرفع من قيمة نص لا يليق بذلك المستوى الذي وصفته تلك الوسيلة، لدرجة أنه حتى في المسابقات، والجوائز العالمية يتم ذلك، فلإعلام يمارس أحيانا دوراً سلبياً في التسويق للكاتب، والرفع من قيمته، من دون أن يكون على تلك الصورة، ومازلنا نتذكر قول ألبير كامو: إن نيكوس كزانتزاكيس كان يستحق جائزة نوبل أكثر منه، ولكن لأن الإعلام هاجم نيكوس منحوا الجائزة له.
نشرت هذه المادة في العدد (66) من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/8/2017