طه خليل
أحب سميرة توفيق جدا، فلا استمع إليها إلا قليلا، مخافة ان أكتشف غير الذي بنيته لها ولصوتها في مخيلتي منذ أكثر من أربعين حولا، وأحب الكرز، فيمر الصيف ولا أتناول منه أكثر من عشر حبات، مخافة ان أشبع منه.
من الهوايات التي ابتليت بها، هواية صيد الصقور، أكثر من عشرين سنة مارست الصيد، واكتشفت في الطيور أصناف وطبائع، و تقاليد، تفوق مما لدى البشر، فمثلا حين كان العقاب أو الباشق أو الحدأة تقع في الشباك، كانت لا تكلّ ولا تملّ من محاولة فكّ نفسها، وعلى الرغم أن خيوط الشبكة كانت تمسك بها بإحكام إلا ان تلك الطيور كانت تتعذب وتعذبني حتى أمسك بها، لأفكّ شراكها، وأطلق سبيلها، فلم تكن هي الغاية من الصيد، وحده الطير الحر، ” حين كان يسقط في الشرك، كان يقوم بمحاولة واحدة للفكاك، فان حرر نفسه طار وغادر المنطقة كلها، وان فشلت محاولته، يقف، وينتظرني، وحين اقترب منه، كان يحدق بي بعمق وقوة، فاتحا منقاريه، مادّاً لسانه من الجفاف، وكأنه يخبرني: ” لقد رميتني .! فقم بما يقع على عاتقك.” وكنت اقترب منه بكل احترام وخشوع، آخذه بين يدي، وأبلل رأسه بالماء.. وأطلب من مساعدي أن يقوم هو بمهمة وضع البرقع على عينيه، لم أكن أجرؤ على تعصيب عين الحر.
عندما اقتنيت الحجل، التمّ عليّ الحجّالة ومربّي الحجل، ليشرحوا لي ما عليّ فعله، كي يغبغب لي الحجل، وقبل كل شيء، علي أن أضع زوجيْ الحجل في قفصين متجاورين، وأغطيهما بقطعة قماش سميكة، وكل يوم أرفع عنهما الغطاء لبعض الوقت، لأترك لهما مجالا لالتقاط الحبوب وشرب الماء من شق في القفص يدعى الباب، وهكذا كلما طال حجز الحجل، كلما استعد للغبغبة، لكنني وأول ما وصلت الى البيت، أطلقتهما في الحديقة، ووضعت لهما الحبوب والماء في زاوية هناك، وتركت لهما حرية التنقل والطعام، والغبغبة، حجلي يغبغب عندما يشاء، لا عندما أشاء أنا.
في مطلع شبابي أهداني والدي مهرة ” كميت ” اصيلة، فاعتنيت بها حتى صارت حولاً، فثنياً، وكان ميعاد ركوبها، جاء الي سائس خيل، ليرشدني: ” حذار أن ترخي لها العنان، فانها شموس ولن تتوقف حتى تقتلك.” وحين علوت ظهرها، وجهتها نحو البراري، ورميت الرسن من يدي، وشعرت كأنها تطير، ثم توقفتْ، ولوتْ عنقها باتجاهي وهي تهمهم، فهمست لها: “قربانى “. وعدت أدراجي برسن رخو، وفرح يلامس همهمة الريح بين شعرها، ويمسك بصهيلها كسهم من نار.
عندما التقيت برسولتي ظننتها سميرة توفيق، وظننتها الكرز، وحسبتها الطير الحر، وتصورتها حجلا، وعاملتها كمهرة، ورميت كل وحشة السنوات بين يديها، ولكل ذلك غابت، وهي تعتقد انها هجرتني، لكنها تمرّ كل يوم بالبال تحمل صفاتها تلك، فألوّح لها من بعيد، ولا تراني..
تلك وحشتي مع الرسولة، وما أوحشتني الطيور والخيول.. ولعل الخيول تشعر، فكل صباح ترسل لي مهرة وريقة نعناع.. وتربكني.
نشرت هذه المادة في العدد (66) من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/8/2017