Buyerpress
لا يجد مراقبون من تفسير لإصرار مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق على تنظيم استفتاء حول استقلال الإقليم، رغم الاعتراضات الإقليمية وحتى المحلّية عليه، سوى استناده إلى دعم خارجي قوي وتطمينات من القوى الكبرى، وتحديدا الولايات المتحدة رغم ما تظهره من برود إزاء فكرة الاستفتاء قد يكون مجرّد تكتيك سياسي لا يعكس حقيقة موقف واشنطن من القضية.
ولا يبدو من المنطقي أن يفكّر أحد في إحداث تغيير في خارطة الشرق الأوسط بمستوى إنشاء دولة جديدة دون ضوء أخضر من القوى العالمية وبينها من كانت أصلا وراء رسم تلك الخارطة على ما هي عليه اليوم.
وجدّد البارزاني التعبير عن إصراره على تنظيم الاستفتاء في موعده المحدّد بالخامس والعشرين من سبتمبر القادم، قائلا في مقابلة مع وكالة رويترز إن الجدول الزمني للاستقلال بعد الاستفتاء “مرن لكنه ليس بلا حدود”، ومتوقّعا التصويت بنعم على الاستفتاء، وهو أمر يبدو بديهيا في ظلّ الظروف الراهنة للعراق وما بات يميّز العلاقة بين مكوّناته الطائفية والعرقية وحتى المناطقية من تنافر يجعل كلّ مكوّن يتوق إلى البحث عن مستقبله بعيدا عن إطار العراق الموحّد.
واتهم البارزاني الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة وتدعمها إيران بعدم الالتزام باتفاق دستوري يسمح للأكراد بأن تكون لهم سلطات أكبر تحت مظلة دولة اتحادية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين عام 2003.
وقال “لمدة 14 عاما كنا ننتظر ونناقش هذه الشراكة لكن دائما ما يتم إبلاغنا بأن الوقت ليس مناسبا أو أن التوقيت غير مقبول وسؤالي هو: متى يكون الوقت مناسبا”.
وتواجه مساعي إنشاء دولة للأكراد على جزء من الأراضي العراقية، باعتراض تركي إيراني شديد، نظرا لأن القضية الكردية تشمل هذين البلدين اللذين تمتد خارطة كل منهما على أراض للأكراد ستكون مستقبلا محلّ مطالبة من قبل الدولة الكردية إذا قُيّض لها أن تقوم.
وعبّرت إيران مؤخّرا على لسان مرشدها الأعلى علي خامنئي عن رفضها تنظيم استفتاء على استقلال كردستان العراق، لكنّها عمليا توكل مهمّة عرقلة انفصال الإقليم إلى الأحزاب الشيعية الممسكة بزمام الحكم في العراق، وحتى لجهات كردية شريكة مع البارزاني في إدارة الإقليم.
وقال نائب سابق في البرلمان العراقي طلب عدم ذكر اسمه “إن شيعة الحكم في العراق يتصدّون لمساعي فصل كردستان لا دفاعا عن وحدة أراضي بلدهم لكن حرصا على وحدة أراضي إيران”.
وتبدو تركيا أعلى صوتا في معارضة إنشاء دولة للأكراد في الشرق الأوسط، لأنّها ستكون الأكثر تضرّرا منها وهي التي فشلت على مدار تاريخها المعاصر في استيعاب أبناء القومية الكردية داخل مجتمعها وإقناعهم بالتعايش السلمي مع باقي أبنائه.
وتخوض أنقرة منذ عقود صراعا ضد أكرادها زاده تعقيدا صعود الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان إلى الحكم بنزعته الشوفينية القومية الممتزجة بتوجهات إسلامية.
ويرجّح الوضع القائم حاليا في سوريا والعراق كفّة الأكراد على حساب أنقرة، بعد أن راهنت الولايات المتحدة على أكراد سوريا في مواجهة تنظيم داعش وأغدقت عليهم مساعدات عسكرية بصدد تحويلهم إلى قوة قادرة على فرض سيطرتها على الأرض كأمر واقع، تماما مثلما ساهمت الحرب على التنظيم المتشدّد في العراق قوات البيشمركة الكردية على البروز كجيش منظّم تمكّن من بسط السيطرة على المزيد من الأراضي التي كانت في حكم المتنازع عليها على غرار محافظة كركوك الغنية بالنفط.
ورغم “الصداقة” الكبيرة التي تبديها الولايات المتحدة لأكراد العراق، والتي تجسّدت في تعاونهم الفاعل معها على غزو البلد سنة 2003 وإسقاط نظام الرئيس السابق صدّام حسين، إلاّ أنّ واشنطن أبدت فتورا إزاء فكرة الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان الذي يصر مسعود البارزاني على إجرائه الخريف القادم.
وفي أحدث مواقفها من القضية، أعلنت الولايات المتحدة أن الاستفتاء يجب أن يجرى بالتفاهم مع حكومة بغداد على نحو يتوافق مع دستور البلاد.
وقال السفير الأميركي لدى بغداد، دوغلاس سيليمان إن “أي تقرير للمصير يجب أن يجرى وفق الدستور والقوانين العراقية والتفاهم بين حكومتي بغداد وأربيل”. وبحسب أغلب المحللّين، فإن مثل هذا “البرود” من قبل واشنطن تجاه الاستفتاء لا يعكس حقيقة الموقف منه، وأنّ إبداء ذلك مجرّد تكتيك يهدف لتهدئة تركيا، ومحاولة كبح اندفاعها نحو المحور الروسي.
ويقارن كثيرون بين موقف الولايات المتحدة من قضية الاستفتاء، ووعدها لأنقرة بأن تستعيد السلاح الذي زوّدت به القوات الكردية المقاتلة لداعش في سوريا. وفي كلتا الحالتين بدت واشنطن بصدد شراء الوقت لتقوية شوكة الأكراد وفرضهم في وضع جديد داخل الإقليم.
المصدر: العرب اللندنية