عبدالمجيد خلف
حين نتناول الرواية ونقرأها، تتكون لدينا مفاهيم، وتتولد لنا أفكار ورؤى، وننطلق إلى أفق وفضاء واسع، وذلك يعود إلى القدرة الكبيرة للروائي في التعامل مع المعطيات المختلفة لديه، والتي تكوّن مادته الروائية، ونقصد بتلك المعطيات الاجتماعية، التاريخية، والسياسية، أو حتى الثقافية الموجودة في الواقع، ومدى ما يمتلكه الروائي من وعي؛ للجمع بينها؛ أو التوفيق، وتشكيل نوع من التآلف والانسجام؛ حتى يتمكن من نقلها، وإخراجها بصورة واضحة مقبولة من الذين يتداولونها، وعلى كافة الأصعدة والشرائح الاجتماعية المختلفة، إن لم نقل الأديان أيضاً، وإجابته على كافة الأسئلة التي تتولد في ذهن القارئ منها.
– هل الوقائع والأحداث التي نقلها لنا حقيقية وموثقة تاريخياً؟
– ما مدى انسجامها مع الواقع؟
– هل حصلت تلك الوقائع بالفعل، وفي أي زمان، ومكان؟
وهذا بالطبع يأخذنا إلى سؤال أعم وأشمل وهو: هل بإمكاننا أن نتداول النص الروائي كوثيقة في كافة المجالات، وخاصة التاريخية؟
هناك الكثير من الروايات خلّدت التاريخ، مثلها مثل الوثائق التاريخية، وتناولتها بصورة واضحة جداً، لدرجة أن أسماء كتّابها اقترنت باسم الرواية، وباسم الحدث نفسه، فالكاتب نيكوس كزنتزاكيس، وقف على الواقع اليوناني، وتاريخه، ومثّل في ذلك دوراً رائداً، وبذل جهداً جباراً من أجل نقل صورة ذلك المجتمع، والوقوف على الكثير من الأحداث التاريخية، حتى بإمكاننا أن نعدّه مؤرّخاً في مجاله، والروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، الذي عرّى الواقع الأمريكي بكل تفاصيله، تناقضاته وأحداثه، وجاءت رواياته صورة طبق الأصل عن ذلك الواقع، عاكساً تصوراته، رؤاه، خيالاته وأحلامه، وليس ببعيد عنهما أيضاً الروائي والشاعر الفرنسي فيكتور هيغو، الذي تعد كتبه بمثابة أرشيف عن الواقع الفرنسي قبل الثورة الفرنسية، والأسباب التي أدت إليها، والكثير من الكتّاب والروائيين الروس كـ “تولستوي- أنطوان تشيخوف- نيقولاي أوستروفسكي- نيقولاي غوغول” وغيرهم.
وفي الشأن العربي نجد ذلك واضحاً في رواية يوسف زيدان صاحب رواية عزازيل، والكاتب الروائي اللبناني ربيع جابر، صاحب رواية “دروز بلغراد”.
ومن الذين برعوا في الرواية الكردية، وخاصة التاريخية، لالش قاسو الذي يعكس في رواياته الثلاثة “ثلاثة أيام وثلاثة ليالي- نقمة الحرية- الخراب”، مآسي الشعب الكردي، آلامه، والعذاب الذي يقاسيه على يد الحكومة التركية، وجنودها الذين مارسوا أبشع أنواع الشقاء والقسوة والعذاب في حقهم، ويقف مطولاً على الخلافات الكردية – الكردية، والنزاع المستمر بين أبناء الشعب الكردي، حتى في المجتمع القروي الكردي الصغير نفسه، بين أبناء العمومة، أنفسهم، وسبب تحكم العسكر التركي بهم، والروائي يلماز غوني صاحب روايتي “صالبا- ماتوا ورؤوسهم محنية”، واللتين تتحدثان عن محنة الإنسان الكردي الفقير العاجز في مجتمع إقطاعي، وسطوة الآغوات عليهم، وتحكمهم في حياتهم، وغيرهم الكثير……
وهذا كله إن دل على شيء، إنما يدل على الدور الكبير للرواية في الوقوف على الأحداث الكبيرة في المجتمعات، ونقلها في أوضح صورها وتفاصيلها، من خلال سرد تفاصيل حياة أناس بسطاء عاديين، يسمّون بشخصيات الرواية، الذين يتمثلون تلك الأحداث، ويعبرون عنها من خلال مواقفهم، وتصرفاتهم، وانفعالاتهم، لتخرج الرواية في النهاية كملحمة تروي أحداثاً كبيرة، وتعتبر بمثابة وثيقة تاريخية، اجتماعية، حياتية، يمكن العودة إليها، والاستشهاد بها مثلها مثل أي كتاب، أو وثيقة تاريخية….
نشرت هذه المادة في العدد (63) من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/6/2017