يعود تشارلز دايفس، المولود في ثلاثينيات القرن الماضي إلى بيروت، بعد نحو ست سنوات على زيارته السابقة. في العام 2009، أحيا عازف الـ”ساكسوفون” المخضرم أمسيات موسيقية إلى جانب الفنان زياد الرحباني الذي يصفه النقاد برائد نمط الـ”Be-Bop” في الجاز، في العالم العربي. ومن غودمان حيث ولد على المسيسيبي، من قلب دلتا الـ”بلوز”، إلى شيكاغو التي درس فيها الموسيقى ليصير الـ”ساكسوفون” آلته المعتادة، إلى حيّ هارلم في ستينيات نيويورك، سيكون تشارلز دايفس هنا، في بيروت، في العام 2014، في تجربة تتكرّر اليوم في سهرة “جاز” فريدة، تفتتح سلسلة أمسيات نسمع خلالها مقطوعات موسيقية عالمية، وأخرى من تأليف الرحباني، مثل “إذا بعد في مجال”، “وصّلو عا بيتو”، “كياس وشنط”، “مهووس”، “ما تفل”، وغيرها.
يعود دايفس إذاً مع “ساكسوفونه” كهدية آتية من تاريخ لم يتبق لنا منه سوى أيقونات وموسيقى عالقة فوق الزمن: بيلي هوليداي (Billie Holliday)، دينا واشنطن (Dinah Washington)، سان را (Sun Ra)، راي تشارلز (Ray Charles)، هاربي هانكوك (Herbie Hankock)، ديوك النغتون (Duke Ellington)، جون كولتراين (John Coltrane)، إن أردنا أن لا نذكر سواهم من أساطير القرن الماضي الذين رافقهم دايفس وشارك معهم في صناعة العصر الذهبي لـ”الجاز”.
سجّل دايفس ثماني اسطوانات من تأليفه، فيما ترك صوت “ساكسوفونه” على أكثر من مئة معزوفة من روائع الجاز العالمي. لكن “النجم” الذي يبلغ من العمر الآن 81 عاماً ظلّ “متواضعاً”، يقدّم أمسيات مجانيّة، ويعلّم الطلاب الموسيقى في الـ”نيو سكول أوف ميوزك”، وأيضاً في إحدى مدارس أحياء نيويورك، منذ 25 عاماً.
يقول ناقد موسيقي عالمي أن تشارلز دايفس يحنّ إلى الماضي، لكنه لا يعيش فيه. يؤكد ذلك أن الذي لعب إلى جانب بيلي هوليداي في الخمسينيات، شارك مع المخرج السينمائي سبايك لي (Spike Lee) في فيلمه الشهير ” Mo’ Better Blues” في التسعينيات. أما آخر ألبوماته، “For the love of Lori”، فصدر في العام الحالي، وفيه ثماني معزوفات مهداة إلى ذكرى زوجته التي توفيت قبل عامين، مستخدماً أحد أسراره في القدرة على تحويل مناسبة حزينة إلى موسيقى جميلة.. بل وفرحة أحياناً.
لعب تشارلز دايفس في الـ”بلو نوت” في بيروت قبل 14 عاماً، ويعود اليوم إلى لبنان ليتقاسم المسرح مع زياد الرحباني، الفنان الأكثر بديهية في العالم العربي لمشاركة التجربة مع عازف الـ”ساكسوفون” الذي يحمل سرّ الماضي وجذور الـ”جاز”.
الليلة إذاً موعد مع الرحباني ودايفس، في أمسية استثنائية تشارك فيها فرقة تتألف من عشرة موسيقيين، في التاسعة والنصف مساء، في “لايت هاوس” (Light House) في أنطلياس، ثم في “Le Maillon” في الأشرفية، في 13 الجاري. أما في 14 و15 الجاري، فسيكون تشارلز دايفس ضيف “بلو نوت” في رأس بيروت.