أمين بن مسعود
استبق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قمة الرياض، بقمّة واشنطن ساعيا عبر اجتماعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إسقاط التمثّل التركي للإرهاب والقائم في الوحدات الكردية المقاتلة في مناطق شرق وشمال سوريا المتاخمة للحدود الجنوبية لتركيا.
3 نقاط أساسية مثلت جوهر الزيارة المكوكية الأردوغانية لواشنطن، الأولى كامنة في تحريك ملفّ الداعية التركي عبدالله غولن، والثانية البحث عن بدائل تركية حقيقية للنادي الأوروبي لا سيما بعد فوز إيمانويل ماكرون في فرنسا وإشهار برلين لورقة اللاجئين السياسيين الأتراك في وجه أنقرة، أما الثالثة فهي العمل على إلغاء أو تعليق القرار الأميركي بتسليح القوات الكردية في سوريا في حربها ضدّ تنظيم داعش الإرهابي.
التصريحات الأميركية التركية كانت كافية لتبيان حالة البون في وجهات النظر بين أردوغان وترامب.
فأردوغان اعتبر بكثير من الدبلوماسية بأنّ تسليح الأكراد في سوريا لن يسمح بتطوير العلاقات التركية الأميركية، في إشارة إلى قاعدة أنجرليك التي قد تذهب جراء الاختلاف البيّن بين الطرفين، في المقابل أكّد ترامب بكثير من دهاء رجال الأعمال أنّ واشنطن ستعاضد جهود أنقرة في حربها ضدّ داعش وضد حزب العمال الكردستاني.
في العمق، رفض أميركي للرواية التركية بأنّ القوات الكردية السورية، قوات حماية الشعب الكردي وقوات سوريا الديمقراطية، امتداد لحزب العمال الكردستاني وقد يكون أيضا وفق الاستراتيجية الأميركية قبولا بالنسخة السورية للكردستاني ضمن موازين قوى تهدف إلى مأسسة الانقسام في سوريا وإضعاف الدولة وعرقنة المشهد الشامي.
تدرك إدارة ترامب بأنّ قاعدة أنجرليك ستكون ضحيّة الرهان الأميركي على أكراد سوريا، لذا فإنّ واشنطن استبقت زيارة أردوغان بالحديث عن قاعدة عسكرية أميركية جديدة في شمال سوريا تعاضد القواعد العسكرية الجوية في القامشلي والحسكة.
أراد أردوغان أن يحايث الفعل الخليجي في الوصول إلى تفاهمات استراتيجية مع ترامب توسّع من مفهوم الإرهاب وتسحبه على عواصم إقليمية.
أثمرت زيارات ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والزيارات البحرينية والإماراتية إلى واشنطن، تقاطعا أميركيا خليجيا على اعتبار إيران دولة راعية للإٍرهاب في الشرق الأوسط، وهو ما ستسلط عليه قمة ترامب في الرياض الأضواء وستوضع في سبيله عدة استراتيجيات إقليمية ودولية هادفة إلى تطويق طهران من جهة، ومحاصرة التشكيلات المسلحة التي تدعمها في العراق وسوريا ولبنان والتي يعتبرها الفاعل الخليجي أطرافا إرهابيّة.
سعى أردوغان إلى تضمين التصوّر التركي للإرهاب، فإذا به يصطدم بفيتو أميركي ومن قبله روسي ضد أي مساس بالقوة الميدانية الضاربة في الشمال السوري.
ذلك أنّه من باب المفارقة الاستراتيجية بأن تتوافق موسكو مع واشنطن في التمثّل الإيجابي للقوات الكردية المسلحة، وهو تمثل قوامه- روسيّا- تأييد من موسكو لفكرة الفدرلة والحكم الذاتي الموسع للأكراد، وجوهره- أميركيا- الرهان على قوّة عسكرية مختلفة عن النظام السوري ومتناقضة مع التنظيمات التكفيرية تؤصّل لفكرة الجغرافيا المتمردة لاحقا ولمبدأ عرقنة أرض الشام.
فشلت كافة المسلكيات التركية للحيلولة دون ولادة كيان كردي على الحدود التركية السورية، ولئن تمكنت أنقرة مؤقتا من التلاؤم الحذر مع كردستان العراق عبر النجاح في اختراق الإقليم من خلال حليفهم الأبرز مسعود البارزاني، فإن شخصيات كردية مثل “البارزانيين” عزّ وجودها في سوريا.
ولئن كانت تركيا ترفض التقسيم الناعم في سوريا وفق مقولة التكريد فإنّها تؤيّده هيكليا واستراتيجيا وبنيويا وفق تأصيل التتريك والجيوب السنيّة والولاء للسلطان العثماني.
على ضوء ما تقدّم سيضع أردوغان استراتيجية كاملة للتعامل التكتيكي مع واشنطن قوامه 3 أطر كبرى، الأول المشاركة المحدودة في التحالف الإسلامي الذي ستعلن عنه قمة ترامب في الرياض.
التقارب الحذر مع طهران لا سيما أنهما تتفقان على ضرورة درء الخطر الكردي وما قد يثمره هذا التقارب من بداية حلحلة للملف السوري ولا سيما في ما يخصّ المرحلة الانتقالية ومصير بشار الأسد. بداية التفكير التركي في مجالات خارج الفضاء الأوروبي وبدرجة أقلّ الهيكل الأطلسيّ حيث من المقرر أن يتوجّه أردوغان إلى التحالف الأوراسي الذي بات الرديف الإقليمي الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي.